رامي زريقهناك لغز يصعب فهمه في عالم الغذاء. إذ تجتاح العالم أو بالأحرى بعض طبقاته المرفهة، موجة «العودة إلى الجذور» وإلى المأكولات المحلية التي تُنتج بالاعتماد على تقنيات تحافظ على صحة البيئة والإنسان مثل الزراعة العضوية. ترتبط هذه الأغذية، بصورة منمطة ورومانسية عن الريف وتقاليده. من ناحية أخرى، يشهد العالم تحولاً سريعاً نحو الزراعة الرأسمالية التي يواكبها تمدد أخطبوطي لشركات الغذاء الصناعية العابرة للقارات. تحت ضغط هذه التناقضات، يشهد الريف تحولات سلبية على الصعيدين البيئي والاجتماعي. فهو الآن يفرّغ من أهله الذين صاروا يتناولون الغذاء المستورد والمعلب. أما المزارع الصغيرة، فهي تقفل أبوابها واحدة تلو الأخرى أمام مضاربة المزارع الرأسمالية الكبيرة بينما تقع أراضيها فريسة للمستثمرين الذين يحولونها إلى مشاريع تجارية مفرغة من الحياة. جميع المعنيين بالقضايا الاجتماعية، من «الخضر» إلى «الحمر»، من المقاومين إلى «عشاق الحياة» ومن عباد الأشجار إلى عشاق «اللقمة الطيبة» ينظرون إلى هذه الكارثة التي تقع أمام عيونهم، وربما بمساعدتهم، ولا يرونها. فلم نسمع يوماً عن حملة شعبية تخاطب الجماهير عن ضرورة المطالبة بحق صغار المزارعين في إنتاج الغذاء من دون اللجوء إلى الأسواق الرأسمالية التي لا تخدم إلا الأغنياء وأصحاب النفوذ.
لماذا لا يتحرك منظمو النشاطات الاجتماعية والمسيرات الاحتجاجية ويضيفون الحق بانتزاع الريف من مخالب رأس المال إلى لائحة مطالبهم، وهم أنفسهم من يستمتعون، في أغلب الأحيان، بالغذاء الرومنسي. قد تكمن الإجابة في واقع المجتمع المعولم الحديث حيث استبدلت السياسة بـ«نمط الحياة» (lifestyle ) الذي نتمتع فيه بحرية شراء هوية اجتماعية بدل إحداث تغيير اجتماعي.