لا يزال أهالي سلعاتا وشكّا يتنشّقون هواءً «معطّراً» برائحة كبريت سيفنة سيلكا الراسية في مرفأ شركة الزيوت. اتجاه الهواء أسهم في تصنيع «عيّنة مخففة» من هذا «العطر» وأنقذ الموقف. لكن رائحة من نوع آخر تعبق في خفايا مرفأ سلعاتا... قصة فساد معلنة لمرفأ غير آمن، برسم وزير الأشغال العامة غازي العريضي ووزير البيئة محمد رحال
بسام القنطار
لا تزال السيفنة «فيلكا» الراسية في مرفأ سلعاتا، تنتظر إذن المغادرة، بعدما استكملت إجراءات الصيانة جراء حادثة اشتعال النار، الاثنين الماضي، في اثنين من عنابرها المحملة بمادة الكبريت لمصلحة شركة «كيماويات لبنان».
يبين التقرير الموثق لفريق وزارة البيئة التقني الذي كلفه الوزير محمد رحال بالتحقيق في الحادث أنه «ناتج من عطل تقني داخل الباخرة». لكن معلومات استقصائية لـ«الأخبار» بيّنت أن شفاط الكاوتشوك الذي أدى الى اشتعال النار هو ملك لشركة الزيوت وموجود في المرفأ، وليس على ظهر السفينة، وهو معدّ لشفط الحبوب، ولا يجوز استخدامه بأي شكل لشفط الكبريت أو غيرها من المواد القابلة للاشتعال.
أسئلة عديدة انكشفت بعد انقشاع دخان الكبريت، إثر الحريق الذي كاد يسبب كارثة بيئية وإنسانية. كيف دخلت هذه السفينة الى المرفأ ـــــ الرصيف؟ وهل مرفأ سلعاتا المجهز لاستقبال الحبوب والزيوت يمكن استخدامه لتفريغ الكبريت؟ وكيف يفرغ الكبريت وبأي كلفة؟
يبيّن المرسوم الرقم 2895 تاريخ 15/10/1992، الذي عدّل في عامي 1994 و2001 أن مرفأ سلعاتا هو «رصيف خاص» أنشأته شركتا الزيوت ومشتقاتها والشرق الأوسط للعلف، من أجل استقبال المواد الأولية التي تدخل في تجارة وصناعة هاتين الشركتين. وتبيّن التعديلات التي جرت على المرسوم، أن المواد التي يمكن الشركتين تفريغها هي البذور الزيتية على أنواعها، ولا سيما بذور الصويا ودوار الشمس والقطن والذرة. الزيوت النباتية الخام والمكررة على على أنواعها ومشتقاتها من السمن النباتي والمرغارين. الكسب على أنواعها ولا سيما الصويا ودوار الشمس والقطن والتابيوكا. الذرة والشعير والنخالة والألفا ألفا وميلاس الشمندر والقصب السكري، والقمح المعدّ لصناعة الأعلاف والحبوب النباتية المركزة للدجاج.
يخضع مرفأ سلعاتا لسلطة المراقبة من مرفأ شكا، ومن مفرزة الجمارك في سلعاتا والتي تتولى أعمال الكشف والتدقيق على البضائع، المفترض أنها محصورة بشركتي الزيوت والأعلاف دون سواها.
ومن المعلوم أن فكرة تحويل مرفأ سلعاتا الى مرفأ عام قد طرحت منذ سنوات، كبديل من فكرة توسيع وتطوير مرفأ طرابلس، لكن هذا الاقتراح رفض من قبل القيادات السياسية في طرابلس التي نجحت في إبطال صدور مرسوم بهذا الشأن.
من يملك مرفأ سلعاتا الذي تقدر مساحة أشغاله للأملاك العمومية البحرية بما يزيد على 200 ألف متر مربع؟ السؤال يستدعي التفريق بين الملكية الورقية والملكية الفعلية. فبحسب لائحة حضور الجمعية العمومية غير العادية لمساهمي شركة الزيوت ومشتقاتها والمؤرخة بتاريخ 14/3/2002 تمتلك كل من جاكلين وإيلي ونادين ورامي جبور 500 ألف سهم في الشركة، فيما تمتلك شركة يونيفرسال بالك هولدنغ ش. م. ل. ممثلة بالسيد جاك الصحناوي 499800 سهم، كما يملك مارك بوري 100 سهم، إضافة الى ملكية جاك صحناوي لـ100 سهم بشكل فردي. مصدر مطّلع على أوضاع الشركة أكد أن آل جبور قد باعوا حصصهم لمصلحة الياس ميشال ضومط المساهم الرئيس في شركة كيماويات لبنان، ولكن عقد البيع ليس منفذاً بدليل ورود أسمائهم في محضر الجمعية العمومية. أما شركة الشرق الأوسط للعلف فلم يتضح بالكامل طبيعة استثمارها في المرفأ بسبب نزاعات قانونية على ملكيتها، علماً بأنها متوقفة عن العمل منذ فترة.
وبحسب كتاب رسمي صادر عن شركة كيماويات لبنان، يفيد رئيس مجلس الإدارة والمدير العام الياس سكاف أن الشركة «لا تودّ شراء أي موجودات ولا أيّ من الأسهم التي تمثل رأسمال شركة الزيوت»، ما يؤكد أن شركة كيماويات لبنان لا تمتلك أي حصة في مرفأ سلعاتا، بالرغم من أن المساهم الأساسي في الشركة قد اشترى أسهماً في شركة الزيوت التي لها الحقّ الحصري في استثمار المرفأ.
مدير البيئة والسلامة في شركة كيماويات لبنان طوني عون، ورداً على سؤال «الأخبار» أفاد بأن الشركة تستخدم مرفأ شركة الزيوت في سلعاتا المجاور لمعمل الكيماويات، لأنه يتسع لدخول السفن الكبيرة، فيما رصيف شركة الكيماويات غير مؤهل لدخول هذه السفن. وأوضح عون أن هذا الاستخدام مجاز بعقد إيجار سنوي موقّع بين الشركتين.
لكن هل يجيز مرسوم إنشاء مرفأ سلعاتا الخاص حق تأجيره لمصلحة شركة أخرى؟ مدير مرفأ شكا، وهيب كجا، أكد لـ«الأخبار» أن هذا الأمر يحتاج الى تعديل في حق الاستثمار. ولفت كجا الى أن المرافئ التي تستخدمها شركات الترابة والكيماويات والزيوت المنتشرة على طول الخط الساحلي بين رأس الشقعة والمدفون هي عبارة عن أرصفة خاصة لأعمال كل شركة، وهي خاضعة لرقابة مرفأ شكا، لكن التدقيق في البضائع ولمصلحة أي شركة هو من اختصاص سلطات الجمارك التي تتوزع بين مفرزتي شكا وسلعاتا البحريتين.
ويلفت كجا الى أن من المؤكد أن أول عملية إدخال بضائع لشركة كيماويات لبنان الى رصيف شركة الزيوت قد خضع لموافقة وزارة الأشغال العامة والنقل. وأردف: «يجب التدقيق في تاريخ الدخول لمعرفة على أي أساس قانوني أجيز، ولكن هذا لم يحصل في عهدي لأني تسلّمت إدارة المرفأ في حزيران العام الماضي، وفي كل الأحوال نحن نتأكد عادة من قانونية أوراق السفن ونسمح بدخولها، أما التدقيق بالبضائع ومالكها فهو من اختصاص الجمارك وليس من اختصاصنا».
يستدل من ذلك أن استخدام شركة كيماويات لبنان لمرفأ شركة الزيوت لإدخال بضائعها هو موضع مساءلة قانونية يجب أن تخضع له السلطات الرسمية التي أجازته، سواء كانت وزارة الأشغال العامة والنقل أو مديرية الجمارك أو الاثنتين معاً. أما عقد الإيجار السنوي الذي أفادت الشركة أنها تدفعه لشركة الزيوت، فهو أيضاً موضع مساءلة لأن إدارة شركة الزيوت مجمّد بسبب عدم التساوي بالحصص بين مالكيها، ما يعطل تعيين رئيس مجلس إدارة عليها، فكيف يجاز لها بتوقيع عقد إيجار؟


الشروط البيئية

عجّلت وزارة البيئة في الإفادة أن حريق الكبريت في سلعاتا لم يسبب تلوثاً للبيئة، ولم يكلف الفريق التقني الذي كلفه الوزير محمد رحال بالتحقيق في الحادثة، عناء البحث عن الشروط البيئية التي تنقل فيها شركة كيماويات لبنان المواد الخام المستخدمة في التصنيع، والتي يجب أن تكون مقفلة في مستوعبات محكمة الإغلاق وتنقل بطريقة آمنة.