تابعت الدورة الشبابية التدريبية الخاصة «إعداد الشباب في زمن العولمة» أعمالها خلال اليومين الماضيين، فألقيت محاضرات عن العلاقة بين العولمة والجندرة، كما شكّل الشباب ودورهم في التنمية المستدامة الموضوع الرئيس لحلقات أمس
أحمد محسن
وفقاً لمديرية الإحصاء الوطني، فإن 20% من سكان لبنان هم من الشباب. لكن، هل الشباب فئة متجانسة؟ الإجابة البديهية تقتضي النفي. ومن هذا السؤال، انطلق المحاضر في الجامعة اللبنانية، علي الموسوي، في محاضرته خلال فعاليات اليوم الثالث، من الدورة الشبابية التدريبية الخاصة التي تنظمها «الجمعية الديموقراطية لتنمية العمل البلدي» و«اتحاد الشباب الديموقراطي اللبناني»، حول موضوع «إعداد الشباب في زمن العولمة» في برمانا، والتي يفترض أن تستمر حتى نهاية الأسبوع الجاري. برأي الموسوي، الشباب متجانسون إحصائياً، لكنهم، بطبيعة الحال، مختلفون ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً. الاختلاف قائم في الأساس على تعريف الشباب، فتطور بعض المجتمعات يؤدي إلى تصنيف من هم يفوقون الثلاثين من العمر في سن الشباب أيضاً. هكذا، نفذ المحاضر إلى الموضوع، للوصول إلى نقطة واحدة: للشباب دور مركزي في التنمية البشرية المستدامة، إن كان هناك نية حقيقية للخوض في غمار هذه التنمية. أما تاريخياً، فقد بدأت ملامح هذا الدور تتضح بعد ثورة الطلاب الفرنسيين في ستينيات القرن الماضي. بيد أن الحركة الطالبية مجرد مقدمة معنوية لمادة اجتماعية مشابهة. التكنولوجيا تحكم الكون، والمعرفة لم تعد مسألة تراكمية. الشباب إذاً، قادرون، بواسطة التكنولوجيا، على التحكم بزمام الأمور، وتالياً، ليسوا نتاجاً سلبياً للتنشئة الاجتماعية العادية. هذه الإيجابيات، المشجعة للشباب في أداء دور حقيقي في التنمية، يواجهها المسؤولون عن البيئة الحاضنة للشباب بالنقد الحاد. فتبعاً للموسوي، هناك ثقافة استخفاف بالتنمية المحلية. يقصد بالمحلية القرى والبلدات الصغيرة، مذكراً بأن هذا الاستخفاف أدى دوراً مهماً في سقوط الأحزاب اليسارية وتراجعها. كانت الأخيرة تبدأ من الشعارات العامة، وتركز نضالاتها في هذا الإطار، من دون الالتفات إلى الوضع الداخلي في القرى. واستعان الموسوي بدراسة رسمية محلية، ليؤكد أن المشكلة ليست في الشباب، بل في البيئة الحاضنة لهم. وسبقت محاضرة الموسوي، ندوة ألقاها رئيس تحرير مجلة الآداب، سماح إدريس، تناول فيها مسألة الحس النقدي عند الشباب، تخللتها مداخلات لمشاركين عدّة. وتمحورت الحلقة الأخيرة من النقاشات مع ادريس حول الحس النقدي في القضايا السياسية المحلية، وكان لافتاً أن المداخلات الأخيرة ركزت على نقد حزب الله، الذي يعدّ ـــــ باعتراف الحاضرين ـــــ رأس حربة في قضية المقاومة، وأنهى منسّق الجلسة عماد سماحة المداخلات بالقول: «حزب الله أساساً غير مهتمّ بالإصلاح الداخلي»، وقد أخبره الشيخ نعيم قاسم بذلك ذات مرة. وتلى ندوة إدريس عرض موسع للدكتور عبد القادر عبيد تناول فيه مسألة التنمية في العالم العربي، خلص فيه إلى أهمية السوق الاقتصادية في العصر الحديث في مجال التنمية.
أما أمس، فقد شهد محاضرة في العولمة والجندرة، لعايدة نصر الله. لفتت نصر الله إلى أن الجندرة مفهوم أطلقته الأمم المتحدة لتحديد وظائف الرجل والمرأة، بعيداً عن الدور البيولوجي. والمفهوم جديد، فقد تكلمت جمعية حقوق المرأة التي تأسست عام 1947 على مفهوم الجندرة، لكن الطرح الجديد هو اتخاذ الدول سياسات لإشراك النساء والرجال في أدوار لا يكون فيها المحدد الجنس أو الجندر (البيولوجيا)، انطلاقاً من مبدأ المساواة الذي تبلور مع تطور الفكر البشري. وأشارت نصر الله، إلى أن طاقات وأدوار الجنسين لا تعتمد على العامل البيولوجي، بل على ظروف أخرى، ما ينفي نظرية أساسية المحدد البيولوجي. وللمناسبة، كان هناك العديد من المؤتمرات النسائية في العالم، أبرزها بكين 1995، التي أكدت ثلاث نقاط جديدة لم تطرح سابقاً: حق المرأة الطفلي، ومناهضة العنف ضد المرأة، والمشاركة السياسية (الكوتا 30%)، فقد

المشكلة ليست في الشباب، بل في بيئتهم الحاضنة
طالبت الحركة النسائيّة قبل 1960 بالحقوق، إلا أن ظهور الفكر النسوي الحديث كان بعد عام 1960. هكذا، أسهمت العولمة في تحجيم الحركة النسويّة ومحاولة ضرب المكتسبات التي حققتها. أما عن بروز تأنيث الفقر، فقد خلص المؤتمر إلى عدم تحميل الرجل مسؤولية إفقار المرأة (40% من النساء في العالم العربي فقيرات)، والجهة المسؤولة عن إفقار المرأة هي عنصر العولمة، التي تتعاطى مع المرأة، برأي نصر الله، بوصفها سلعة للتسويق التجاري، وهذا ما يؤدي إلى تهميش النساء، بسبب عدم تقديم التدريبات (للإصلاحات) الكافية لأنها لا تقدم حلولاً كافية للتغيير الاقتصادي ـــــ الاجتماعي. وتقاطعت نصر الله، مع طروحات عبد القادر، الذي لفت إلى أن تقرير برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة عام 2004، نبه إلى ثلاثة مؤثرات ضرورية لحصول تنمية في العالم العربي، وهي المرأة، والمعرفة، والحرية. وتتفاقم معاناة المرأة، مع الفقر برأي نصر الله، فهي تتولى مسؤوليات أسروية كبيرة، من دون حصولها على تقديمات اجتماعية. وفي إطار منفصل، تلخصت إنجازات لجنة حقوق المرأة اللبنانية عام 1980، وإقرار ميثاق حقوق المرأة ضمن عقد المرأة من الأمم المتحدة، إضافة إلى الإضاءة على عشرة بنود، أبرزها القانون المدني للأحوال الشخصيّة.


ضرورة تعميم النقد الذاتي

شدد رئيس تحرير مجلة الآداب، سماح إدريس (الصورة)، في محاضرته، على ضرورة اللجوء إلى النقد الذاتي، متناولاً تجربة شخصية في هذا الإطار، لافتاً إلى أن النقد الذاتي يجب أن يكون حالة عامة لتتسع فائدته. وأعرب إدريس عن أسفه لأن الواقع المحلي مغاير لذلك، ففيما يقوم عدة أشخاص عاملين في الشأن العام بالنقد الذاتي، يستغل آخرون هذا النقد، ويستعملون التفاصيل لانتقاد أصحابه الأصليين.