أمست موضة «المفرقعات» في البقاع عدة المسحراتيين في شهر رمضان. ففي كل ليلة، يستيقظ الناس في البقاع على صوت قنبلة. يقومون من نومهم مذعورين، لا طاقة لهم إلا على الشتم، ولا حيلة في يدهم إلا مطالبة المسؤولين بمنع «صواريخ الأرض جو» التي تعبر الحدود بطريقة غير شرعية
البقاع ــ أسامة القادري
هلّ هلال باعة الألعاب النارية مع هلال شهر رمضان. نشروا بسطاتهم في ساحات القرى والبلدات البقاعية وأحيائها بين ليلةٍ وضحاها، فلم يتركوا زاوية إلا حلّوا فيها. حمّلوا في عرباتهم كل ما يخطر على البال من ألعاب نارية من جميع «العيارات»: قوية، متوسّطة، مرعبة... ولجميع الأعمار، صغاراً وكباراً. يوماً بعد آخر، يزداد عدد البسطات في البقاع، حتى باتت هذه الظاهرة شبه عادية. أما المناسبات التي يستعمل فيها البقاعيون المفرقعات، فتتنوع بين الأعراس والاحتفال بولادة طفل أو نجاح طالب في الامتحانات الرسمية، أو الابتهاج بخطاب الزعيم السياسي. وقد وصل الأمر ببعضهم إلى تمويه إطلاقهم للرصاص الحقيقي بأصوات المفرقعات، خوفاً من ملاحقة القوى الأمنية لهم.
«لم يعد الوضع محمولاً»، تقول أليسار زعيتر. الشابة التي لم تعد تخرج إلى شرفة منزلها إلا قليلاً بسبب خوفها من المفرقعات، تحتاج إلى حلّ ينقذنا من «الزربة بأيام الحر بسبب الأصوات». تقول زعيتر بغضب: «شي ما بينحمل. صار لازم ينحطّلها حل»، ثم تبدأ بتعداد المناسبات والأوقات التي يجدها الكبار والصغار «حجة» لهم، ليطلقوا العنان للعب بالنار. سئمت زعيتر «العيشة في الحي التحتاني، حيث لا يتسنى لنا النوم، لا وقت قيلولة بعد الظهر، ولا حتى في الليل، حيث تستمر سهراتهم الولعانة حتى طلوع الضو، ولا حتى في السحور». تحكي، باستهزاء، عن بعض الشباب الذين «كلفوا أنفسهم إيقاظ الناس إلى سحورهم بطريقة جديدة تختلف عن جميع الطرق والتقاليد التي اعتدناها. فبدل الطبلة صارت القنبلة». تتابع: «تأتي سيارة كل يوم بوقت السحور بتبرم على كل الأحياء، وعند كل مدخل حيّ بيضربوا قنبلة وبيمشوا».
60% من الألعاب النارية التي تنفجر أرضاً مهرّبة
في الحيّ التحتاني، بات للمسحراتي أسلوب جديد في إيقاظ الناس، وفي الحيّ المقابل لا ينام الناس أبداً ليستيقظوا على السحور. فلا تكاد تمر ليلة «من دون معركة مضادات أرضية جوية»، يقول عماد المستراح. يتحدث المستراح عن المعارك شبه اليومية التي تدور بين لاعبين من الحيّ الذي يقطنه وآخرين من حيّ قريب. لم يعد الشاب قادراً على احتمال المزيد من المعارك التي كان من شأنها إحداث حالة رعب «لابني البالغ عامين. كل ما سمع شي فقع بينقز وبيبلش بالبكي». يشتم المستراح «الفرقعة والمفرقعين»، ويقول هازئاً: «ولك جارنا أحرق بما قيمته مئتا دولار احتفاءً بطهور ابنه». يشرح أكثر: «بتنا نقول لزوارنا عندما يخافون من أصوات المفرقعات المباغتة: ما تخافوا مش قصف إسرائيلي، هيدا فتيش».
لا تختلف حال محمد حليم الذي يشتم «الفتّيش واللي بيلعبوا فيه واللي بيبعوه». يضحك هازئاً: «صار عنا بالحيّ صواريخ أرض وجو». ويروي أن «صاروخاً طائشاً أحرق محلّي».
هذا جزء مما يحدث داخل القرى. لكن ما يجري في محيط الفنادق والمطاعم التي تشهد حفلات فنية، قد يكون أسوأ بكثير، حيث يعيش القاطنون بالقرب من تلك الأماكن قلقاً يومياً. قلق يبلغ ذروته أيام الجمعة والسبت والأحد.
لكن، مقابل الخوف الذي يعيشه سكان القرى والمدن أيضاً، تبرز حالات الارتياح في صفوف بائعي الألعاب النارية، فهؤلاء يستفيدون من إقبال المواطنين على شراء بضائعهم. وفي هذا الإطار، يشرح تاجر في منطقة المصنع اللبناني أن «رواج الألعاب النارية يدفع بالكثيرين للإقبال على اتخاذ بيع الألعاب النارية مهنة لهم، لأنها تجارة مربحة». وأكد أن لبنان «يستورد سنوياً نحو 80 مستوعباً من الألعاب الجوية ذات السعر الباهظ»، مشيراً إلى أن «مستوردي هذه البضائع من كبار البلد وهم قادرون على إدخالها بطرق تعفيهم من الرسوم الجمركية المرتفعة، ما حدا أشخاصاً إلى أن ينشئوا مؤسسات تتعهد ببيع الألعاب النارية وتنسيقها وإشعالها في الأعراس والحفلات بطرق هندسية حديثة». وبالنسبة إلى أنواع الألعاب، يشير التاجر إلى أن المفرقعات تتنوع ما بين «أرضية وجوية». ويقول إن «المفرقعات الأرضية الموجودة في الأسواق تدخل إلى لبنان بطريقة غير شرعية، وبعضها موجود منذ فترة زمنية في المستودعات». ويضيف: «60% من هذه المفرقعات مهرّب، وبعضها مؤذٍ مثل الزلزال والبطريق والكبريت الأحمر والأخضر والدادي والغزال».
من المسؤول عن ضبط هذه الظاهرة التي تنتشر بقوة؟ «الحق على جمارك مرفأ بيروت». بهذه الكلمات، يبرّر مسؤول في الأمن الداخلي وجود هذه الألعاب المؤذية والمقلقة بين أيدي الأولاد، التي بسببها فقد «الكثير منهم أصابع يديه، ومنهم من تضررت عينيه»، يقول المسؤول الذي رفض الكشف عن اسمه. وتعليقاً على أنواع المفرقعات، يقول المسؤول إن «القانون اللبناني يمنع دخول وبيع كل ما ينفجر في الأرض، في المقابل سمح بكل ما ينفجر في الجو». لكن، في لبنان كل شيء مباح «أرض وجو». ولفت المسؤول إلى أن «المفرقعات الأرضية الممنوعة قانوناً تدخل السوق بطرق غير قانونية». لهذا السبب، ولضبط تلك الألعاب «حرصاً على السلامة العامة»، نظمت القوى الأمنية «منذ سنة ونصف حملة تواقيع يتعهد من خلالها تجار الألعاب النارية بعدم شراء أنواع المفرقعات التي تنفجر أرضاً أو المتاجرة بها». ورغم أن هذه المفرقعات خفّ مبيعها بسبب تلك الحملات، إلا أن «البعض ما زال يتاجر بها بمنأى عن عيوننا»، يضيف المسؤول.