سعيد خطيبي
«لسنا نخاف أحداً. ذقنا جميع أشكال المرّ. ليس هناك أسوأ من العيش هنا. افرحوا وغنّوا واصرخوا بصوت واحد:viva la révolution». هكذا ارتأى المغنّي المتمرّد بعزيز أن يفتتح السهرة الرمضانية التي قدّمها أخيراً في ضاحية سيدي فرج في الجزائر العاصمة، متحدّياً الحصار المفروض عليه من المؤسسات الثقافية، ووسائل الإعلام الرسمية، منذ حوالى عشر سنوات.
بعزيز اسم فني يكاد يعرفه كل الشباب الجزائري، والسبب قدرته على الغوص في تفاصيل الحياة اليومية البسيطة، ونقل صوت الفئات المهمّشة وتحدي السلطة. وهذا الأمر كلّفه الكثير، وخصوصاً بعد صدور قرار يمنعه من المشاركة في التظاهرات الفنية التي تنظّم سنوياً في بلاده. وكان آخر فصول هذا الاضطهاد منعه من الغناء في المهرجان الثقافي الأفريقي (2009).
تعود القصّة إلى عام 2001 حين أدى بعزيز على الهواء مباشرة ضمن برنامج «مسك الليل»، أغنية تسخر من الجنرالات في الجزائر، وحمّلهم مسؤولية الوضع المزري الذي آلت إليه البلاد. لكن بعزيز لم يندم على فعلته، بل لا يزال متمسكاً بموقفه: «واجهت السّلطة وسأظلّ ثابتاً في مواجهتها كلما تطلّب الأمر ذلك». هذا الفنان الذي يمتاز بالشجاعة والرغبة في التحدي يعرّف نفسه بأنه لا «يلعق الأحذية»!
توقّف بعزيز (اسمه الحقيقي عبد العزيز بختي) في الثمانينيات عن الدراسة الثانوية، وتفرّغ تدريجاً للموسيقى. بدايةً، أتقن العزف على الغيتارة التي صارت ترافقه في كل حفلاته. كما لا يتخلى عن قميص البحّارة الذي يلبسه في كل إطلالاته الفنيّة: «ولدت وكبرت قرب الشاطئ. وأنا من عائلة بحارة». البحر أسهم في تكوين شخصية المغني الذي يرفض القبول بالأمر الواقع، ويحلم لبلاده بأيّام أفضل عن طريق الموسيقى.
بدأ فعلياً مسيرته الفنية خلال النصف الأول من الثمانينيات، متأثراً ببعض أسماء الأغنية الملتزمة في جزائر الخمسينيات والستينيات، أمثال رشيد قسنطيني ومحمد التوري: «بالنسبة إليّ، رشيد قسنطيني يعتبر مدرسة»... قبل أن يكتشف لاحقاً أعمال الفنّان الفرنسي رونو الذي مثّل مرحلة التحوّل في حياته الفنية. يقول: «أعتبر نفسي نظير رونو في الجزائر». واقتبس من المغني الفرنسي ذاته ألحان بعض الأغاني التي وجدت سريعاً طريقها إلى الجمهور، وخصوصاً أغنيةJe m’en fous (لا يهمّني)، حيث نعت أساتذة المدارس بالكسالى، وسخر من سياسة الحزب الحاكم، ووصف الجزائر بالبقرة الحلوب، وطرق موضوع المرأة، كما لم يستثنِ المثقفين من السّخرية، إذ قال: «لما نسمع les intellos كاين منهم بالكيلو/ la brosse رجعت بالستيلو/ معرّبون أو فرنكوفون والقاهرة أو السوربون، الرجل فيهم قل لي شكون؟» (1992). لكنّ الأغنية الأهم التي صنعت أول نجاح للمغني هي «يا حسرة كي كنت صغير» (1989).
لا يهتم بعزيز كثيراً بالشياكة. يرى أنّ مهمته هي السّعي إلى نقل هموم الآخرين: «هدفي أن يفهمني الجمهور لا أكثر». الجرأة الزائدة كلّفته مشاكل كثيرة داخل الجزائر وخارجها. قبل سنتين، طرد من تونس. «فوجئت بستّة عناصر من الشرطة يدخلون غرفتي في الفندق ويطلبون منّي الرحيل عن البلد. لم يشرحوا لي السبب، لكنهم قالوا فقط إنّهم ينفّذون التعليمات». ثم يردف «أعرف أنه ليس ممكناً أن يحبني الجميع».
صحيح أنّ هناك الكثير من الأسماء والفرق الموسيقية التي تنتقد النظام السياسي، وقد حاولت أن تقدم رؤيتها للوضع مثل فرقة الراب «انتيك» أو أمازيغ كاتب، نجل كاتب ياسين، مؤسس فرقة «كناوة ديفيوجن»، لكن الخصوصية التي يتمتع بها بعزيز تتمثل في جرأته غير المسبوقة، وتخطيه الخطوط الحمر. هو الذي لا يرى مانعاً من تسمية الأشياء بأسمائها، والانتقاد المباشر لرموز السلطة، وفي مقدمهم وزيرة الثقافة خليدة تومي: «أكتب كل سنة مقطعاً غنائياً عنها. مذ تولت منصب الوزارة، تدهورت حال الثقافة في البلاد». مع العلم بأنّ المعنيّة تشغل منصب وزيرة الثقافة منذ تسع سنوات.
كذلك يعرّج على مختلف وجوه السلطة، من وزراء وجنرالات، ورئيس الجمهورية، وبعض أسماء «المعارضة المزيّفة»، ويحكي ساخراً: «في الجزائر، حين يفشل أبناء الجنرالات في الدراسة، ولا يجدون مكانة لهم في المجتمع، يعاقبهم آباؤهم بمنحهم مقاليد تسيير وكالة إعلانية». الروح الخفيفة وكسر التابوهات سمات تميّز شخصية بعزيز، إذ «ليس لدينا ما نخسره. كل شيء واضح في هذا البلد. اللّعبة باينة».
في ربيع العام الماضي، وفي خضم الحملة الانتخابية الرئاسية التي كان يقودها الرئيس بوتفليقة من أجل ولاية ثالثة، محسومة مسبقاً، عُرض فيديو كليب يُظهر بعزيز يؤدي أغنية «بلادي» التي تدعو إلى التشبث بالأمل وعدم الغرق في دائرة الكآبة. ما أثار حفيظة عشاق المغني نفسه واتهموه بالتواطؤ مع السلطة والتخلي عن قناعة الماضي. يردّ: «الفيديو كليب أنجز قبل أشهر من انطلاق الحملة. ثم إنه كليب من إنتاج شركة خاصة وربما اشتراه التلفزيون وحاول استغلاله في هذا الظرف، بغية بلوغ مآرب معينة وكسب الأصوات».
عن آخر ألبوماته «ماروتي» (2009 )، يقول بعزيز: «قبل ثلاث سنوات، حين عدت إلى الجزائر بعد غياب، لاحظت أن التغيير الوحيد الذي مسّ البلد يتمثل في انتشار شكل سيارات صغيرة هي ماروتي». تضمنت أغاني الألبوم المذكور الكثير من السخرية من الوضع العام. كما طرح لأول مرة قضية غزو رأس المال الخليجي الجزائر واحتكاره سوق العقار.
بعد أن يستعيد ذكريات أغنيةL’Algérie mon amour (يا الجزائر يا حبّي) التي أداها عام 1999 وأرادها عرفاناً للجزائر التي كانت في صدد الخروج من الحرب الأهلية، وجمع فيها أشهر المغنين الجزائريين، ها هو اليوم يقول متحسراً: «أحلم بالغناء في حفلات في بلدي والعودة إلى الجمهور. لماذا لا يتركونني بسلام؟ لكن رغم المنع، أؤكد لهم أنّني سأواصل الغناء».


5 تواريخ

1963
الولادة في شرشال (90 كلم غربي الجزائر العاصمة)

1989
أول نجاح مع أغنية «يا حسرة كي كنت صغير»

1999
أغنية L’Algérie mon amour مع خالد ورشيد طه

2004
ألبوم «مقهى الاستقلال»

2010
عاد إلى الظهور في الجزائر العاصمة حيث أحيا حفلة من تنظيم شركة أجنبية. وكان قد أصدر العام الماضي ألبوم «ماروتي»