رومية» عالمٌ قائمٌ بذاته. تُروَّجُ فيه المخدّرات وتُعقد الصفقات، وتباع الغرف ــ ربما ــ بعلم السجّانين. يُتّهم العناصر بالفساد وإساءة معاملة السجناء. الروايات كثيرة يوضح الصحيح منها آمر السجن العقيد غابي خوري
رضوان مرتضى
لا تتوقف الهواتف عن الرنين. يجيب عليها بمعظمها. كذلك يفعل مع باب مكتبه، الذي يغار من الهاتف، فلا يكاد يتوقف عن الطَرق. معظم الطَرقات يكون صاحبَها مؤهّلٌ في قوى الأمن الداخلي، يعمل مساعداً لآمر السجن. يدخل كل بضع دقائق ليعرض معاملة على الآمر، متوقّعاً منه أن يذيّلها بتوقيع القبول. بين كل دخول أو دخولين للمؤهل، يدخل أحد العناصر لينقل مشكلة أو شكوى لأحد السجناء. مشهدٌ يختصر جزءاًً قليلاً من الضغط الذي لا يتوقّف على آمر سجن رومية المركزي، العقيد غابي خوري، الذي تسلّم منصبه منذ نحو عشرة أشهر. يجلس العقيد خلف مكتبه الذي تُنعش رائحته نبتة تُعرف باسم عطر الليل. ينظر إلى الأوراق الموجودة أمامه، يعتذر عن كثرة الانشغال ويتنهّد قبل أن يبدأ حديثاٌ طويلاً عن سجن يصفه البعض بأنه قنبلة موقوتة، وذلك لكثرة المشاكل والأحداث التي تسم تاريخه الحديث. يُعدّد العقيد خوري مشاكل كثيرة يعانيها نزلاء السجن، فيُرجع جميع الحوادث وسوء التغذية والنقص في الطبابة وغياب البرامج التثقيفية، إلى سبب واحد تختصره أحرف كلمة «اكتظاظ». فجدران السجن التي صُمّمت لتستوعب 1050 سجيناً، محشورٌ خلفها نحو 4000 إنسان. يُفنّد العقيد خوري المشاكل الناتجة من الاكتظاظ ليشرح الحلّ الذي ليس سحرياً. يذكر أن هناك أمكنة كانت مخصّصة للأنشطة المختلفة لكنها تحوّلت إلى نظارات. فقاعة المسرح ومركز الطبابة وقاعة المحكمة تعج بالمساجين الذين نُقلوا إليها لضيق الأمكنة. رغم سوء الوضع غير الخافي على أحد، يحاول العقيد أن ينظر إلى النصف الملآن من الكوب، فيلفت إلى أن هناك خطوات متّخذة لإعادة الحياة إلى هذه القاعات لتستعيد وظائفها، لكن نفحة التفاؤل لا تُخفي رأي العقيد خوري الجازم بأن أي معالجة لهذه التعقيدات هي للتخفيف من وطأتها، مؤكّداً أنها ستبقى قاصرة إذ لم يُخفَّف الاكتظاظ. ينتقل العقيد خوري من مشكلة الى أخرى، فيشير الى مشكلة أخرى يُسمّيها «مشكلة المتعاطين». يتساءل عن سبب وضع هؤلاء في السجن بدل أن يكونوا في مراكز تأهيل خاصة بهم، وهناك مشكلة السجناء الأجانب، التي تتلخّص في التصنيف بين الجرم الجنائي والدخول خلسة، فيلفت الى أنه يجب أن يكون هناك أماكن مخصصة لجرم توقيف الخلسة، إذ يجب ألّا يُجلبوا الى السجن مع عدم إغفال معاقبتهم. (يشار الى أن هناك أكثر من مئة موقوف بجرم دخول البلاد خلسة موجودين في سجن رومية، أقدمهم موقوف منذ ثلاثة أشهر. كما أنّ هناك مئات الموقوفين الأجانب بلا أحكام).
يتحدّث آمر سجن رومية عن مستويات أمنية للسجناء، فيشير الى أنّ ثمة تقسيماً أمنياً معتمداً في كل سجون العالم. ويذكر أن هناك سجيناً ذا مستوى أمني عادي، وآخر مستواه متوسط، وثالث مستواه الأمني عالٍ، لكنه يؤكّد أن هذا التقسيم مستحيل بسبب الاكتظاظ.
أوقف أكثر من 20 عنصراً بتهم فساد وأُحيلوا على القضاء
رغم كل ما ذُكر، تبقى مشكلة تواجه العاملين في السجن وتعادل في أهميتها جميع المشاكل الموجودة مجتمعة، وهي مشكلة السَوق، التي تُعيق عمل المحاكم، ما قد يظلم سُجناء أبرياء كانوا قد أُوقفوا ظُلماً، ويلفت العقيد الى أن هذه المشكلة تنحصر في: قصر عدل بعبدا. فنظارة قصر بعبدا هي المشكلة الكبرى بنظر خوري، إذ يشير الى أن هذه النظارة التي لا تتسع لأكثر من 30 شخصاً، يُطلب اليها أحياناً 100 شخص. يتساءل العقيد خوري عن المعايير التي يجب عليه اعتمادها للاختيار بين السجناء، الذين يجب أن يحضروا للمحاكمة للإسراع في صدور الحكم بإدانتهم أو تبرئتهم، أو على الأقل إخلاء سبيلهم. رغم الأزمة القائمة يرى أن الحل لا يكون إلا بتوسيع النظارة لتتّسع لأعداد أكبر. ينتقل خوري بعدها الى أزمة سَوق المناطق، التي إن غُُصت فيها، فكأنك تغرق في بحر من الكلمات المتقاطعة التي لا حلّ لها. فآليات السوق تبلغ نحو 20 آلية فيما عدد السائقين هو نصف عدد هذه الآليات. أما العناصر المكلّفون بالسوق، فيبلغ عددهم نحو 70 عنصراً ما يُمثّل أزمة حقيقية، وقد انخفض عددهم هذه الأيام بعد إصابة عدد منهم بفيروس العيون. يُذكر أنّ القانون يفرض أن يكون هناك عنصران مع كل سجين عند نقله، فضلاً عن أن السوق يجب أن يجري الى مختلف السجون الموجودة على جميع الأراضي اللبنانية. تضاف الى ما سبق، مشكلة سوق ذوي الخصوصية الأمنية، وهم المتهمون بجرائم إرهاب، إضافةً الى آخرين لديهم محاذير أمنية لطبيعة جرائمهم، إذ لا يُساق هؤلاء إلا عبر القوى السيّارة.
ينتهي الحديث عن المشاكل التي تتعلق بالسجناء على وجه الخصوص، الى تلك المتعلّقة بالسجين والسجّان على حدّ سواء: الفساد وتهريب الحبوب المخدّرة والهواتف الخلوية الى داخل السجن بعلم الحرّاس وعبرهم، فيذكر خوري أنه يجب اعتماد وسائل متطورة لمكافحة هذه الأمور من الناحية التقنية، أما في ما يتعلّق بفساد العناصر، فيكشف خوري لـ«الأخبار» أنه جرى توقيف أكثر من عشرين عنصراً وأُحيلوا للمحاكمة أمام القضاء.
يسعى خوري إلى تأهيل السجن فيقول إنه يبدأ بالمتوافر بانتظار الإصلاح الشامل، ويذكر أن هناك مشروعاً لتركيب 17 جهاز هاتف للسجناء. كذلك يتحدث عن خيمة أُنجزت وهي مجهّزة بعدد من المقاعد، تقي أهالي السجناء الشمس والمطر أثناء انتظارهم قبل الدخول الى السجن كبديل أفضل عمّا كان عليه الوضع في السابق. كذلك يشير الى أنه سيُبنى رصيف عريض للأهالي الزائرين لتجنّب السيارات الداخلة. أما في ما يتعلّق بالنشاطات الترفيهية، فيلفت خوري إلى أنهم بدأوا بالتنسيق مع الوزارات المعنيّة لتغيير الجو القائم في السجن، ما يدعم بذلك مكافحة تعاطي المخدرات بين السجناء. الكلام عن السجن المركزي لا ينتهي. تُطرح مشاكل وتُقترَح حلول. تمر ثلاث ساعات على بدء المقابلة، لكنّ العقيد غابي خوري لا ينسى أن يلفت الى وضع العاملين في السجن، فيؤكد ضرورة إقامة دورات تأهيل لهؤلاء. ويشير الى أن الخدمة في السجن تعدّ الأصعب، لافتاً الى أن الحوافز ونمط الخدمة يجب أن يكونا مميّزين لتشجيع العاملين على مراعاة الأمور الإنسانية والحسم في الجوانب الأمنية.


تحسين أوضاع السجون

ذكرت الحكومة اللبنانية في بيانها الوزاري مشروع تأهيل السجون في فقرتين، فأشارت إلى أنّ وزارة العدل ستتابع العمل بمندرجات الخطط الخمسية لنقل مسؤولية السجون من وصاية وزارة الداخلية والبلديات إليها، وإنشاء مديرية عامة لها، واقتراح تنظيمها وهيكليتها. وكانت وزارة العدل قد وضعت في عهدة مجلس الوزراء مرسوماً لتنظيم مديرية السجون، يحدّد مهمّاتها وصلاحياتها وملاك الموظفين، وذلك عبر وزير العدل إبراهيم نجّار، الذي تقدّم باقتراح قانون التنظيم الجديد المُحدّد لهيكلية هذه المديرية، لكن لم يُصَر الى بحثه في المجلس بعد. أمّا في ما يتعلق بمهمّات وزارة الداخلية والبلديات في موضوع السجون، فهو الاستمرار في إصلاح السجون واستحداث أبنية لها، ومتابعة انتقال إدارتها الى وزارة العدل. وفي هذا الإطار وقّع وزير الداخلية والسفير الإيطالي العام الماضي مذكّرة تفاهم لإطلاق مشاريع لتحسين الأوضاع المعيشية للسجناء. يذكر أن من المهمّات التي تقع على عاتق مديرية السجون، بحسب ما جاء في المرسوم المقترح، أنها «تحدّد نوع تخصص السجون، وتوزّع المحكوم عليهم والموقوفين في ما بينها، وكذلك نقل السجناء من سجن إلى آخر».