التوافق السياسي لا يزال قائماً• البلدية تعاني التفكّك الإداري
• دراساتنا منجزة والمطلوب جهات لتنفيذها

أجراها عبد الكافي الصمد
يعدّ نادر غزال الرئيس الأول الذي يأتي إلى بلدية طرابلس وهو يحظى بهذا الإجماع السياسي عليه، ما يجعل المهمّات الملقاة على عاتقه، وعلى كاهل المجلس البلدي، كبيرة، وخصوصاً أن طرابلس تعاني منذ سنوات تراجعاً خدماتياً وتنظيمياً غير مسبوق في تاريخها

مرّت نحو ثلاثة أشهر على تسلّمكم مهمّاتكم في بلدية طرابلس، ما هو انطباعكم الأوّلي؟ هل ما وجدتموه هو ما كنتم تتوقّعونه؟
- منذ 7 حزيران الماضي، عندما تسلّمنا مهمّاتنا، لمسنا ما لم نكن نتوقّعه من وضع داخل البلدية. الوضع الإداري الداخلي مفاجئ وصدمنا. أنا عملت في دول عربية عدة مع بلديات، لكن لم أكن أتوقع أن تعاني بلدية طرابلس هذا المستوى من التفكّك الإداري، لدرجة أنّ الحد الأدنى المطلوب غير متوافر فيها.

مثل ماذا؟
ـــــ غياب حسّ المس ؤولية عند شريحة من الموظفين، وطغيان الفردية والمحسوبيات، وأشياء كثيرة غير قانونية مرتبطة برشى، مع وجود موظفين يجلسون في بيوتهم ويقبضون رواتب، أعدادهم ليست قليلة. الموظفون كانوا يدخلون لإزالة الغبار عن ساعة البصمة فقط. لكن هذه الصدمة حفّزتني على العمل، بعدما شعرت بأن ما ينتظرني أكبر من الدور الذي أعددت نفسي له، فألغيت أيام العطل مع العائلة من برنامجي، لأنّ اجتماعاتي تبدأ الثامنة صباحاً وتنتهي أحياناً الواحدة ليلاً، وخطّي الهاتفي لا ينقطع. كان يقال إنّ البلدية مغارة علي بابا. آسف أن أقول عنها هذا، لكن هذا كان يقال عنها، وعندما تسلّمت مهمّاتي وجدت أنه يوجد خلل وأساليب تعاطٍ سيئة.

هل هذا التصوّر لوضع البلدية والمدينة عائد إلى كونكم كنتم بعيدين عن المدينة؟
ــــ هناك خطأ شائع جرى تسويقه عنّي في أثناء الانتخابات البلدية هو أنني غائب عن البلد ولا أعرف عنه شيئاً. أنا مقيم في لبنان منذ 1991، بقيت في بيروت 5 سنوات فقط، لكن بيتي في طرابلس، وأدرّس في الجامعة اللبنانية في القبّة والحدث، وفي الجامعة الأميركية في بيروت، وإن كنت كثير السفر خارج لبنان، فهذا لأن معظم عملي المهني خارجه.

هناك مشاكل كثيرة تعانيها طرابلس، كيف ستعالجونها في البلدية، وهل لديكم تصوّر لذلك؟
ــــــ سألني أحد الوزراء عن وضعنا، فقلت له: نحن بحاجة إلى كلّ شيء، لكن ما نقوم به الآن هو إيقاف النزف. عندنا مشاكل على صعيد النظافة، السير، أحزمة البؤس حول المدينة والبسطات. هناك تجاوزات كبيرة في موضوع البسطات، لكنني أبلغت قائد الشرطة أن يتركها لما بعد عيد الفطر، وحتى ذلك الحين سنعمل على تنظيم الفوضى، لكن بعد ذلك لن يبقى الوضع كما هو عليه الآن، ولن نسمح بعشوائية البسطات، كما لن نقطع أرزاق الناس، غير أنّ تشويه المظهر العام غير مقبول. إلا أن عملنا لا يقتصر على ذلك، لأننا أصلاً نعمل على مستوى استراتيجي، أساسه مشروع استراتيجية التنمية المستدامة لمدن اتحاد بلديات الفيحاء، مثل مشروع مكبّ النفايات الصلبة الذي وضعنا الحجر الأساس له، كما نعدّ لتوقيع بروتوكول تعاون مع نقابة المهندسين الجمعة المقبل.

تتحدثون عن مشاريع ودراسات مستقبلية، مع أن هناك دراسات كثيرة أجريت ولم تنفّذ، لماذا إضاعة مزيد من الوقت والمال مجدداً؟
ـــــــ هناك دراسات قديمة سننفض عنها الغبار. توجد دراسة أعدّتها جهة دولية لحل أزمة السير في طرابلس بدءاً من ساحة التل، اليوم كنا نناقشها مع نقابة المهندسين، لكن الملف غير موجود في البلدية. ونبحث عنه. نحن نؤيد فكرة أن البلدية لا تحتاج إلى دراسات إضافية، بل إلى تنفيذ وتطبيق بعض الدراسات لخفض النفقات، لأنّ الدراسات كلّفت أموالاً.
في موازاة ذلك، ومع أننا نبحث مع جهات ومنظمات محلية ودولية مشاكل المدينة، مثل حزام الفقر والتسرب المدرسي وعمل صغار السن، فإننا نضبط هذه الأمور ضمن مشاريع ليس مطلوباً سوى تنفيذها. لذا نقول لمن يأتينا عندنا دراسات منجزة، كل ما نطلبه هو جهة لتنفيذها. ثمّة دراسات وُضعت سابقاً كتنفيعات في بعض الحالات لمكاتب معيّنة، أو وُضعت على الرف، نراجعها الآن لاستخدامها.

إلى أيّ مدى ضبطتم الهدر في الإنفاق المالي الذي تتحدثون عنه؟
ـــــــ منذ يومين أجرينا كشفاً، فتبين أن ميزان مدفوعات البلدية انخفض 38 % منذ أيار حتى حزيران، من غير أن يؤثر ذلك في تأدية الخدمات. كلّ الأمور «ماشية» مثلما يجب. لكننا ضبطنا إدارياً التفلّت الذي كان قائماً، فمثلاً أوقفنا نزف المحروقات التي تراجعت فاتورتها 60 %، مع أن آلياتنا لا تزال تعمل!

هل أنتم متفائلون بتخطي العقبات والنجاح في أداء مهمّاتكم؟
ـــــــ قلت للرئيس السابق للبلدية رشيد جمالي، الذي أحترمه، إن الظروف المحيطة بأحدنا قد لا تساعده على النجاح أحياناً، فلا يلام الفرد بنفسه ولا حتى المجلس البلدي؛ وأحياناً الظروف المحيطة تساعده على النجاح، «الشاطر» هو الذي باستطاعته أن يجعل الظروف مساعدة له للنجاح.

متى سنتلمّس تحوّل طرابلس مدينة ثانية في لبنان، وليس مدينة من الدرجة الثانية؟
ـــــــ هذه مسؤولية كبيرة، نعمل ليلاً ونهاراً لإنجازها، ونتعاون في سبيلها مع كتلة نواب طرابلس، إلى جانب الرئيس عمر كرامي. عندما حُمّلت المسؤولية قلت إنني قادم للقيام بنفضة شاملة لطرابلس في السنوات الستّ المقبلة.

هل هذا يعني أن التوافق السياسي الذي جاء بكم لا يزال مخيّماً فوقكم؟
ـــــــــ نعم وبشكل رائع، من الرئيس نجيب ميقاتي إلى الوزير محمد الصفدي والنائب سمير الجسر، تربطني علاقة ممتازة معهم. وكذلك الرئيس عمر كرامي، الذي هو ركن مهم في المدينة، وقد أوقفت موافقتي على ترؤسي البلدية على أن يرتاح الرئيس كرامي لتسميتي وإلا فلن أترشح، وبعدها أصبحت العلاقة بيني وبينه أبوية.

التوافق السياسي يسهم أم يعرقل العمل البلدي، لأنه في ظلّ التوافق ينبغي مراضاة كل الأطراف لتسهيل العمل؟
ــــــ هنا تبرز «شطارة» رئيس البلدية. رغبتي في التوافق السياسي ألّا ينظر إليّ السياسيون على أنّ كل واحد منهم يقول أنا أتيت بك «شوف شو بدك تعمل لي». لكن بما أنهم توافقوا عليّ حتى أنجح، أقول لهم تعالوا لننجح معاً. هذا الأمر أرى أنّه مسؤولية كبيرة عندي، في أن يكون التوافق من أجل مصلحة المدينة.

تحدّث البعض عن غياب الانسجام داخل المجلس البلدي في الفترة الأولى، كيف هو الوضع اليوم؟
ـــــــ عندما نتحدث عن 24 شخصاً أتوا من مختلف المشارب والانتماءات، طبعاً الأمر يحتاج إلى تمهيد. الآن بنسبة 95 % يوجد انسجام ممتاز.

هناك من يشير إلى وجود أجنحة داخل البلدية، وأنكم تحابون فريقاً على حساب آخر، كيف عالجتم الأمر؟
ــــــــ هذا غير صحيح، مع أن بعض الصحف حاولت الإيقاع بيننا، وبيننا وبين النواب، لكننا كنّا واعين، ووضعنا خلف ظهورنا كل هذه الأمور، كما وعى أعضاء المجلس الذين كانوا في فترة معيّنة «مغشوشين» من أن هناك فتناً لإفشال البلدية. قلت للأعضاء نحن مجلس بلدي يجب أن نعمل معاً من أجل مصلحة البلد، ثمّة صعوبات لكن يجب أن نكون يداً واحدة. في أول مرحلة ظنّ البعض أنني محسوب على أحد الأطراف في مواجهة آخرين، هذا غير صحيح ولن أقبله على نفسي.

كيف ستفصل بين قناعاتك وعملك؟
ـــــــــ لا أقدر على أن أفصل، لأن قناعاتي هي عملي. لن أعمل شيئاً إلا إذا كنت مقتنعاً به.

لكن البعض يتّهمك بأنك لا تستطيع الخروج من انتمائك إلى تيار المستقبل وميولك إلى الجماعة الإسلامية، فكيف ستقلع بالبلدية في مدينة متنوّعة سياسياً وطائفياً؟
ــــــــ حليفي الأول هو القانون والكفاءة و«الأوادمية». نعمل لمصلحة المدينة التي تعني الكل، وأريد أن أنجح في عملي، هذان هما الدور والتحدي اللذان أواجههما.

حتى لو كان ذلك على حساب انتمائك السياسي؟
ــــــــ ليس عندي انتماء سياسي لا إلى المستقبل ولا إلى الجماعة الإسلامية (شقيقه ناهد غزال مسؤول الجماعة الإسلامية في طرابلس)، مع أنني كنت في مرحلة ما في الجماعة وتركتها سنة 1976. بعدما عايشت مختلف الفرقاء أصبح عندي قناعة مطلقة بأنه في لبنان لا يستطيع إنسان أن يكون بلون واحد ويكون للكل. لست في تيار المستقبل وإن تعاونت لفترة كمستشار مع الوزير الجسر أيام كان وزيراً للتربية، وتعاونت مع الرئيس ميقاتي عام 2000، ومع الصفدي أخيراً وأصبح هناك علاقة معه. لكن ليس عندي انتماء سياسي، وإن كنت متديّناً بطبيعتي، أقول ذلك بمنتهى القناعة.

بالنسبة إلى المشاريع أين دور المال في الأمر؟
ــــــــ المال عنصر مهم جداً، بدون مال تحكي كثيراً ولا تفعل شيئاً. على المدى القريب «نمشّي» أمورنا لكن على المدى البعيد لا يمكننا بالتأكيد، لأنه يوجد عجز مالي كبير في الاتحاد، علينا ديون بمليارات الليرات لكننا نضبط النفقات لخفض العجز تدريجياً. وفي هذا الإطار نتعاون مع منظمات دولية مانحة للتخفيف من العبء المالي علينا، إذ نجلب مشاريع مجاناً إلى المدينة.

كيف تصفون تجاوب الوزارات والمؤسسات المعنيّة معكم، من وزارة الداخلية والبلديات والصندوق البلدي المستقل؟
ــــــــ تعاونهم ممتاز. لكن طلبنا أن يزيدوا حصتنا في الصندوق البلدي، لأن طرابلس بسبب اتساع رقعتها وازدياد عدد سكانها، لا بد أن تلحظها إعادة نظر في نسبة المستحقات ورفعها.

ماذا عن انضمام بلدية القلمون وغيرها إلى اتحاد بلديات الفيحاء؟
ــــــــ طرحوا هذا الأمر، لكن يجب درسه في الاتحاد وأين المصلحة فيه وكيف. نحن نرحّب بأيّ بلدية تريد الانتساب إلى الاتحاد، سواء القلمون أو رأس مسقا أو غيرها من البلديات المجاورة.

كيف ستعالجون المشاكل التي ستعترضكم؟
ـــــــ بالحكمة والصبر. فريق عملنا الذي تألّف جيد، وجو المجلس والوضع داخله أحسن من المتوقع، نحن عمرنا شهران ونصف شهر فقط.


يؤكد نادر غزال أن لا أحد اتصل به قبل تسميته رئيساً توافقياً للبلدية، بل تلقى اتصالاً من الرئيس نجيب ميقاتي ليبلغه الأمر خلال اجتماع نواب طرابلس وطلب منه الحضور، فحضر وهو بلباس الرياضة. ويوضح أنه أتى رئيساً للبلدية تلبيةً لنداء الواجب ولأن مسؤولي المدينة دعوه إلى القيام بهذا الواجب فأصبح محرجاً أن يرفض طلبهم.