عشرات الشخصيّات أمّت أمس دار نقابة الصحافةللتعزية بالزميل الشهيد عساف أبو رحّال. وقد عبّر هؤلاء عن عميق حزنهم وتضامنهم مع «الأخبار» وعائلة الشهيد، معتبرين أن شهادته تؤكّد الدور الأساسي الذي تقوم به الصحافة المقاومة

وفي اليوم الثالث لاستشهاده، تلاقى زملاء الشهيد عساف أبو رحّال في نقابة الصحافة للتعزية. صحافيّون من مختلف وسائل الإعلام، تشاركوا الحزن والتأمل في أحوال مهنة تزداد صعوبة وشراسة، تتجاور فيها الحياة والموت، تجاور بلادهم مع وحش شرس لا يقيم وزناً لأية أعراف. وأمس، تصدّر صالون النقابة أهل الفقيد في الأخبار، لأن العائلة الصغيرة مضطرة للبقاء في الكفير التي أفنى عساف حياته محاولاً إخراجها من التهميش، عبثاً. وإلى الصحافيين أمّ نقابة الصحافة العديد من الشخصيات الرسميّة، وكان في استقبال المعزين إلى جانب أسرة صحيفة «الأخبار» نقيب الصحافة محمد البعلبكي. ومن باريس، دعت المديرة العامة لليونيسكو، إيرينا بوكوفا «إلى ضبط النفس إثر مقتل الصحافي اللبناني عساف أبو رحال الذي كان يعمل مراسلاً لدى صحيفة الأخبار»، ودعت «الأطراف المعنيّين إلى الكشف عن أسباب هذا الحادث المأساوي، وإلى اتخاذ التدابير اللازمة لعدم تكراره». وأضافت «أذكّر أيضاً بأن حريّة الصحافة التي تمثل حقاً أساسياً من حقوق الإنسان تقضي بتمكين الصحافيين من مزاولة عملهم في ظروف آمنة، وأن من واجب القوات المسلحة احترام هذا الحق».
وقدم التعازي باسم رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان مستشاره الإعلامي أديب أبي عقل، النائب السابق إميل إميل لحود ممثلاً الرئيس إميل لحود. كما مثّل رئيس مجلس النواب نبيه بري مستشاره الإعلامي علي حمدان ورئيس مجلس الوزراء سعد الحريري محمد السماك، النائب محمد الحجار ممثلاً رئيس كتلة المستقبل النيابية الرئيس فؤاد السنيورة، الرئيس حسين الحسيني، والوزراء طارق متري، محمد خليفة، عدنان القصار، محمد فنيش، بطرس حرب.
كذلك حضر النواب نهاد المشنوق، حسن فضل الله، مروان حمادة، وليد سكرية، قاسم هاشم، ممثل النائب أنور الخليل حسن علوش، عباس هاشم، نائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي، الوزراء السابقون عصام نعمان، جورج قرم، النواب السابقون حسن يعقوب، أمين شري، إسماعيل سكرية، بهاء الدين عيتاني، سمير عازار.
كذلك قدم التعازي المدير العام لوزارة الإعلام حسان فلحة، النائب الأول لحاكم مصرف لبنان رائد شرف الدين، ممثلا نقابة المحررين غاصب المختار ونافذ قواص، وفد من الحزب الشيوعي اللبناني الذي انتسب اليه عساف وقاوم في صفوفه، ضم نائبة رئيس الحزب ماري الدبس وعبد فتوني، وفد تجمع العلماء المسلمين، رئيس حزب الاتحاد عبد الرحيم مراد على رأس وفد، رئيس التنظيم الشعبي الناصري أسامة سعد، رئيس الاتحاد العمالي العام غسان غصن، رئيس المؤتمر الشعبي كمال شاتيلا، المسؤول الإعلامي في جمعية المشاريع الشيخ عبد القادر الفاكهاني، رئيس مؤسسة «عامل» د. كامل مهنا، رئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي حنا غريب، مدير التوجيه في الجيش العميد الركن صالح حاج سليمان، المسؤول

حريّة الصحافة تقضي بتمكين الصحافيين من مزاولة عملهم في ظروف آمنة


الإعلامي في الحزب التقدمي الاشتراكي رامي الريّس. وحضر معزياً وفد منبر الوحدة الوطنية، ناشر الزميلة السفير طلال سلمان، وفد من حزب الله ضم رئيس وحدة التنسيق والارتباط وفيق صفا، رئيس وحدة العلاقات الإعلامية إبراهيم الموسوي، القيادي في التيار الوطني الحر طوني نصر الله، الرابطة الثقافية الاجتماعية لأبناء بنت جبيل، ممثل مدير وكالة «سانا» نهلا كامل، الأمين العام للرابطات المسيحية ورئيس الرابطة السريانية حبيب افرام، عضو المكتب السياسي لحزب الكتائب جورج شاهين، رئيسة لجنة حقوق المرأة اللبنانية غانية دوغان، وليندا مطر، ووفد من اللجنة.
حضر أيضاً المدير العام لإذاعة صوت الشعب سعد الله مزرعاني، د. فواز طرابلسي، د. غسان عيسى، وفد من تلفزيون «المنار»، وفد من صحيفة «النهار»، وفد من صحيفة «المستقبل»، وفد نقابة المصوّرين، يوسف الحويك رئيس نادي الصحافة. سفير السودان إدريس سليمان، عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية مروان عبد العال، وفد هيئة أبناء العرقوب برئاسة د. محمد حمدان والمحامي قاسم صعب.
كذلك أبرق إلى «الأخبار» معزياً كل من حركة الجهاد الإسلامي والمحامي فؤاد شبقلو.
(الأخبار)


وينـك يـا بيّــي


«وينك يا بيّي، بلّشنا نفيق كل يوم وأنت مش معنا»
عسّاف الصحافي. المقاوم. الوفيّ الذي لم يحب يوماً أن أناديه «يا بابا». كان يحب كلمة يا بيّي. يحبّها مغمّسة بعرق التعب ورائحة تراب الجنوب وزيت الزيتون وثلج حرمون. قليلة هي المرات التي غمرني بها وقبّلني. هو لا يعرف إظهار عواطفه الجياشة التي يكنّها لنا. كان يحبنا في قلبه. عشقه لنا لم يظهر إلا من خلال أعماله. عمل ليل نهار من أجلنا. سافر في شبابه إلى الخليج حيث عمل في بناء البيوت، ثم عاد وتزوج وبنى بيته العزيز حجراً حجراً بيديه الجبارتين. ربّى النحل وأمّن شبكة للهاتف الخاص (السنترال) في الكفير وأداره واهتمّ بصيانته، وعمل على المحراث الزراعي ولم يترك أرضاً إلا داس ترابها. زرع الزيتون والصنوبر والعنب وقطف الغلال وباعها. أدار معصرة لزيت الزيتون لسنين طويلة. اشترى سيارة ولوحة عمومية ليؤمن الضمان الاجتماعي والصحي، وعمل سائق تاكسي من الكفير إلى بيروت. تطاول على التطور وأدار محلّاً للإنترنت وألعاب الكمبيوتر. باع بيّي البصل. نعم البصل. لمَ لا وهو لطالما ردّد على مسامعي: «يا بيّي الشغل الشريف، شو ما كان منّو عيب. لقد كان مقداماً، يحب القيام بأعمال جديدة لا يجيدها، إلا أنه سرعان ما كان يتقنها أفضل إتقان. وعندما بدأ يحسّ بالتعب لم يقرر ترك هذه الأشغال الصعبة، بل التخفيف منها، وبدأ بالعمل الصحافي وهو الذي لم يقرأ جريدة في حياته. من بين كلّ الصحف، كان عمله في «الأخبار» هو الأحبّ إلى قلبه لأنه كان يقول لي دوماً : «هودي يا بيّي منّا وفينا». لن أنسى عندما كنت تتمنى أن تصبح مراسلاً حربياً، ولن أنسى ساعة كنت تسألني عن قواعد اللّغة العربية وكنت تخطئ بين المرفوع والمجرور والمنصوب، وقد تعلمتها بسرعة كعادتك.
قبل أسبوع من استشهادك، كنت برفقة زميلك في جريدة الأنوار وقلت له على تلّة الحمامص: «إذا صرلي شي يا دريد، بلّغ تحياتي لكل هذه الصخور وهذه الحجار والتراب، والشجر الذي كنّا نحتمي وراءه من رصاص الإسرائيليين... سلّم عكل هالأرض». ظنّك ممازحاً، لكنك كنت تعرف الحقيقة. وحدك كنت تعرف قدرك.
أنا أعلم يا بيّي أنك سعيد. نعم أنت فرح. لقد رأيت ذلك في دموع الناس وفي صرخات الثكالى. أنت الآن في قمة النشوة لأنك استشهدت في الأرض التي عشقتها. لأنك لم تمت برصاصة، بل بقذيفة دبابة كي تروي كل دمائك التراب الذي عشقته والحدود التي صارت جزءاً منك.
اليوم يبكيك الناس والأقارب. كروم الزيتون. الفلّاحون. المزارعون في شبعا والوزاني. مربّو الماشية في شانوح. صانعو الفخّار في راشيّا والمقاومون الشرفاء الذين كنت تعرفهم وتتمنى أن تكون معهم.
يسألونني لماذا لا أبكي؟؟ إنني أحترق في داخلي وقلبي يذوب رويداً رويداً، وشراييني ستجف قريباً. لا أبكي لأني صورتك، من دمك ولحمك ورائحتك. لن أذرف الدموع لأني لم أر دمعتك يوماً. كنت تحبسها وتمنعنا من رؤيتها لأنك كنت جباراً على الصعاب.
لن أبكي لأنك لا تزال حياً يا بيّي. لأني سأبقى الى جانب من أحببت. كل أصدقائك وزملائك وأقلامك الشريفة وجريدتك اليومية. لن أترك الأرض التي عشقتها، بدءاً بالعديسة المقدسة ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا وبركة النقار وراشيا الفخار والوزاني.
لن يفتقدك الفلاحون والمزارعون والمقاومون لأني عساف ولأني سأقوم بكل ما كنت تقوم به.
وكم سأشتاق لكلمة «يا بيّي»...

جورج عسّاف أبو رحال


«يعطيك العافية» يا عساف



رثت الابنة الوحيدة المدلّلة للزميل الشهيد عسّاف، نسرين، والدها بخواطر وجدانية، وكلمة مفعمة بالأسى والحزن:
«يعطيك العافية»، عبارة ردّدها الوالد آلاف المرات على مسامع أهل الصحافة وعامّة الناس. يا صاحب الوجه الجميل و«العينين البرّاقتين»، يا أبي، اللتين تشع منهما أسرار الماضي والحاضر والمستقبل.
جاء اليوم الذي نقول فيه نحن: «يعطيك العافية» يا عسّاف... يعطيك العافية على استشهادك يا بطل الأبطال، يا مقاوم الكفير الحرّة، يا صلابة جبل الشيخ الذي لا ينحني، يا زيتون الحقول الخضراء على مدار السنين، يا حبيبي الغالي، يا أبي الحنون.
تعجز الكلمة عن التعبير لأن العاطفة لا تُكتَب على الورق... يا طائر الحدود الذي يحلّق عالياً جداً، فضاؤه رحبٌ لا يكترث لضجيج المدافع وحقد العدو، بل يتسامى بروحه، ويحلّق بجناحيه: القلم والكلمة معاً...
هيا اذهب غرّد يا عصفوري في سمائك الزرقاء الصافية كصفاوة قلبك. غرّد وانْفُضْ عن ريشك تعب السنين وغبار الأرض التي رفضَتْ «شقاوتك» صحافيّاً ومزارعاً وفلاحاً، رفَضَتْ أن تشيخ وتموت كباقي الناس «لأنّ الخَتْيَرة ما بتلبقلَك».
إرادتُكَ هذه.
أرادتْكَ هذه الأرض أن تموت شهيداً بطلاً ليذيع صيتك في العالم بأسره. لقد أراد صمتك الدائم أن يبصم ويوقّع اسم عسّاف أبو رحّال على خريطة الأبطال لترفع رأس العائلة وتشرّف جريدة الأخبار وكل الصحافة المكتوبة والمرئية والمسموعة بخبرك هذا.
أنت الخبر يا «بيّي»، أنت الصورة الآن وأنت الكلمة المقدّسة الضائعة بين تلال كفرشوبا وشبعا ومرجعيون والعديسة. أنت الأرزة المسمّرة في علم الوطن.
وداعاً يا حبيبي. اذهب بسلام للقاء ربّك علّ اللقاء به يخلّص شعب لبنان الخلاص الأخير.

نسرين عسّاف أبو رحّال حدّاد