في 14 حزيران الماضي، أصدر وزير الداخليّة قراراً بمنع فرش البسطات على الأرصفة إلا ضمن التراخيص. مبررات القرار ثلاثة: ورود شكاوى عن البسطات، بدء موسم الاصطياف والسياحة، وصورة لبنان الجميلة! ما هي معايير الترخيص للبسطات؟ وهل من بدائل لهؤلاء الفقراء قبل إصدار قرار منعهم من العمل كرمى لعيون السيّاح؟ وبناءً على مبررات القرار هل يصبح تطبيق القانون محصوراً بوجود موسم سياحي؟
محمد محسن
بالنسبة إلى الباعة المتجولين، البسطة أو العربة هي طفلة مدلّلة، لأنها ببساطة تحول بينهم وبين العوز. هم هنا من أجل قوت أطفالهم، وهو أمر تفوق أهمّيته، كلّ المواسم السياحية. يرفضون معاملتهم كخارجين عن القانون أو مشاغبين. ثم من قال إنّهم يتضررون من تنظيم قطاعهم؟ على هذا الأساس يطالب كثيرون من أصحاب البسطات ممن تحدثوا لـ«الأخبار» عن قرار بارود، بخطّة وأسواق شعبية منظمّة، قبل إصدار القرارات بمنعهم من العمل. «صرلنا سنين منعاني، لا بيرخصولنا ولا بيعملولنا سوق منظم» يقول ممدوح حجّو صاحب إحدى عربات الخضار التي تجوب شوارع العاصمة. يرفع نسخة عن محضر ضبط أعدّته القوى الأمنية بحق عربته «انتبه مش هيدي العرباية لأنها جديدة». أين القديمة؟ محجوزة «فكلّما واجهتنا القوى الأمنية تصادر العربة فوراً ويقتادوننا إلى المخافر وكأنّا مجرمون» يقول الرجل الخمسيني. ممدوح هو واحد من كثيرين أصابهم قرار وزير الداخلية بمنع إقامة البسطات الثابتة والمتجولة إلا ضمن التراخيص. يبدي استياءً من قرار وزير الداخلية «من قال إننا نشوّه صورة لبنان؟ البلد لم يعد لفقرائه. ألا يستقوون على غيرنا». هكذا، يقول الرجل كلمته وينطلق خوفاً من دورية لقوى الأمن تصادر عربته الصغيرة «الله يخليك بيكفي هلقد، بدي إرجع ومعي كم ليرة لولادي». أمّا محمّد عون وهو صاحب كوخ إكسبرس في منطقة السفارة الكويتيّة فيبسّط الأمور «لا يعنيني قرار الوزير» يقول مبتسماً. يحيل عون من يريد إزالة كوخه إلى البلدية: «معنا ترخيص من البلدية وهي نظرت إلى وضعنا الإنساني بعين الرأفة. فهذا الكوخ تعتاش منه 3 عائلات»، كما يقول. يستدرك: «استشهد أخواي في المقاومة وتعتاش عائلتاهما من الكوخ. ندفع مليوناً ومئتي ألف ليرة سنوياً ثمن تجديد الرخصة. عيب هذا القرار في ناس عايشة من هالبسطات». يصرخ أمام زبائنه «قبل أن يمنع بارود البسطات فلتؤمن دولته خدمات الحد الأدنى للناس. أين الكهرباء والمياه؟ أين فرص العمل؟».
استنساب رئيس البلدية هو القاعدة لتراخيص البسطات المؤقتة
على مقربة من عون، يجلس رجل ستيني، بسط كامل بضاعته الفقيرة فوق غطاء سيارته. «مليون يا ويلاه ولم تعطنا البلديات رخصاً». «لقمتنا الصغيرة مغمّسة بالوجع ومنّة رجال الأمن. حين يطلبون نزع البسطة نفعل مرغمين». وكغيره من تجار البسطات يطالب الدولة بإنشاء سوق للباعة المتجولين «قبل إنشاء السوق عيب حدا يقلنا شيلو لقمة عيشكن» كما يقول. ضاقت السبل بعلي جباعي بعدما أقفلت المؤسسة التي كان يعمل فيها. «افتتح» بسطة لبيع الإلكترونيات والعطورات المقلّدة. «نحن مجبرون على هذا العمل. لسنا فرحين بالوقوف تحت الشمس والمطر». يتمنى علي لو تفتتح الدولة سوقاً منظمّاً «تحميه وتؤمن سلامتنا من بعض فارضي الخوات». يصفهم علي بالعصابات التي «تبتزنا لتأخذ بعض الأشياء التي نبيعها. فإذا لم نفعل يفتعلون إشكالاً ينتهي بأننا نبسط بضاعتنا في مكان ليس لنا فنضطر لاتقاء شرّهم» كما يقول.
قانونياً، السماح بالبسطات عبر ترخيص مؤقت، في أيدي البلديات التي يعمل في نطاقها أصحاب البسطات، الذين يدفعون مبلغا «بدل إشغال ملك عام» حسب المساحة. استنساب رئيس البلدية هو القاعدة القانونية! ليس وصفاً أو اجتهاداً شخصياً لكنه القانون فعلاً. هكذا أكّد أكثر من رئيس بلدية لـ«الأخبار» رافضين الكشف عن أسمائهم. فالبلدية وإن ألزمت نفسها بمعايير ترتبط بوضع نطاقاتها العمرانية وتنظيمها المدني وزحمة السير إلا أن هذه المعايير يمكن التلاعب بها، وخصوصاً أنها غير منصوص عليها قانوناً. هكذا، يبدو واضحاً أن قرار الداخلية الأخير على شيء من التسرع، إن لجهة عدم تأمين البلديات أسواقاً شعبية بديلة أو لجهة إحجامها أصلاً عن منح الرخص لمن يطلبها من الباعة. وإذ يشير مصدر بلدي إلى أن «تعميم بارود ليس جديداً وهو يفتقر إلى الحل» يؤكّد أنّ حل المشكلة «هو أن تنشئ البلديات أسواقاً شعبية لائقة أسوة بدول كثيرة في العالم». لكن البلديات وخصوصاً الكبرى منها حيث تترامى على أطرافها الأحياء الشعبية، تعاني مشكلتين: الأولى أنها عاجزة عن ملء ملاكاتها، والثانية هي أن أسعار الأراضي مرتفعة جداً ويصعب شراء قطعة كبيرة لإنشاء سوق شعبي. في بيروت، يؤكد رئيس البلدية بلال حمد أن موضوع ترخيص البسطات في بيروت هو في أيدي المحافظ «لكن موضوع إنشاء سوق شعبي في العاصمة هو على جدول أعمال البلدية لدراسته». من جانبه يؤكد محافظ بيروت بالتكليف، ناصيف قالوش، أنه لا يعطي رخصاً للباعة المتجولين منذ فترة طويلة. ماذا عن معايير التراخيص؟ يجيب قالوش «لا معايير محددة، والأسعار تكون عادة تبعاً للمساحة والمكان المنوي استئجاره من الملك العام». يشير إلى مسعى لإنشاء سوق شعبي، وحين تسأل عن توقيت محدد يأتي الجواب من دون تحديد موعد «عم ينشغل ع الموضوع» يقول قالوش. هكذا، يبدو العمل بالبسطات ممنوعاً وإعطاء التراخيص أيضاً! مهمّة القرار الجديد صعبة جداً، فالباعة لن يتخلوا عن لقمة عيشهم حتى ولو لم «يباركها» توقيع رئيس البلدية أو المحافظ. الأدهى من ذلك، هو الذهنية التي يُتعامل من خلالها مع هذا الموضوع. يتقاضى بعض أعضاء البلديات رشىً مقابل «غض النظر عن البسطات» بحسب العديد من أصحاب البسطات. في إحدى البلديات، كان ثمة 25 موقعاً يمكن ترخيصها للبسطات، فتجاوز عدد مقدمي الطلبات 50 «وكل طلب يحمل واسطة من عيار وزير أو مسؤول حزبي وطلوع. إثر ذلك قررنا عدم الترخيص لأحد»، يقول رئيس إحدى البلديات، وقس على ذلك.