رامي زريقتحمل إلينا الصحف عاماً بعد عام خيبات الفلاحين من مواسم تضيع بين سيول وجفاف. ها هو موسم القمح هذه السنة، مثله مثل الزيتون في العام الماضي: محصول لا يكفي لتغطية تكاليف الحصاد. مثل كل عام، سيطلب الفلاحون العون من الدولة. ومثل كل عام، ستبقى آذان الدولة صماء. لماذا تكنّ الدولة اللبنانية هذا العداء التاريخي للفلاحين؟ ما هي الأسباب التي تجعل الحكومة الحالية، والحكومات التي سبقتها، تتعامل معهم كأنهم عبء يجب التخلص منه؟ قد تكون الإجابة عن هذا السؤال مركّبة، إلا أن الأكيد هو أن هذا الاستهتار يستعصي على التفسير، ولو جزئياً، من دون أخذ الأبعاد الطبقية بعين الاعتبار. فالقيمون على الدولة ليسوا معادين للزراعة بحد ذاتها، لكن بعضهم يعتبرها نوعاً من الهواية الترفيهية، إذ نراهم يفخرون بحدائق قصورهم الصيفية، مبتهجين بكل حبة بندورة يقطفونها، ناسين أن هناك عاملاً زراعياً يعتني بالشتول في غيابهم، يرويها ويشذّبها ويعشّبها حتى يأتي «الخواجا» أو «الست» لجني ثمارها. ومنهم من لا يمانع الاستثمار في الأرض الزراعية، وخاصة إذا استطاعوا تحويل بعض المساعدات الحكومية والأجنبية لاستصلاح أراضيهم قبل فرزها وإعادة بيعها بضعف سعرها الأساسي كعقارات مخصصة للمد العمراني. هؤلاء لا يكرهون الأرضَ ولا الزراعة بل يحتقرون الفلاحين الذين يفتقرون، بالنسبة إليهم، لأدنى درجات «التحضّر» التي تميز سويسرا الشرق. إذا بحثنا في الأسباب التي جعلت من هذا المجتمع «الراقي» يستخدم كلمة «فلاح» لتوجيه الشتيمة، فعلينا أن نتذكر أن الأكثرية الساحقة من الطبقة الحاكمة تنحدر إما من أغنياء المدن أو من إقطاعيي الأرياف التقليديين والجدد. لهذه الأسباب لن تؤخذ مطالب الفلاحين بعين الاعتبار إلا إذا تركوا الكلام ورفعوا المناجل.