مايا ياغيكونغ فو ، يوتاي، جين كود، كيك بوكسينغ، كيوكشن، أي كي دو. أسماء كثيرة لفنون قتالية أصبح يمارسها شبان النبطية... وبناتها. العرف، الذي يصبح أكثر سطوةً بعيداً عن العاصمة، هو أنّ الفتاة رقيقة، لا تسمح لها بنيتها العضلية بممارسة الألعاب القتالية. إلى ذلك العرف «البيولوجي» النزعة، يُضاف آخر اجتماعي: البنات «يلعبن بيت بيوت»، ولا «يقاتلن». في النبطية فتيات تحدّين ذلك العرف بوجهيه، رغم أنّ بعضهن محجّبات. زينب ملّي إحداهن. تمارس الفنون القتالية منذ طفولتها. لم يمنعها حجابها من الاستمرار في مزاولتها إلى أن أصبحت تدرّب حالياً مجموعة من الفتيات في صف مغلق. «تحدّيت العقلية السائدة في المجتمع لأنجز ما أنجزت، لذلك افتتحت صفّاً للفتيات فقط لأشجّعهن على الانضمام، علماً بأنني تلقّيت تدريبي خلال السنوات الماضية مع شباب أصبحوا بمثابة إخوة لي. فمنذ الصغر ونحن نترافق في نادٍ واحد، ونخوض معاً مباريات عديدة»، تقول زينب، آملةً أن يُرفَع من شأن هذه الألعاب على صعيد الوطن، وأن تدخلها وزارة الشباب والرياضة ضمن الألعاب الاختيارية في المدارس كما هي الحال في دول عديدة.
افتتحت صفاً للفتيات فقط لأشجّعهن على الانضمام
«هذه اللعبة تحتاج إلى الكثير من المهارات ولا تقتصر متطلّباتها على القوة الجسدية، بل إنها تشمل القوة الذهنية وسرعة البديهة والتركيز والصبر، وهي أمور تملكها الفتاة أيضاً»، تقول معلمة اللغة العربية، باسمة فهد، التي أخفت إتقانها لهذه الألعاب لمدة خمس سنوات في النبطية، قبل أن تتشجّع وتعلن ذلك، لتصبح اليوم مدرّبة يوغا وكيوكشن كاي، إلى جانب تطوّعها في فريق الصليب الأحمر. فهذه اللعبة «تعني بلغتها الأصلية الصدق والصفاء، وهما صفتان يحتاج إليهما أيّ إنسان مهما كان جنسه»، كما تشرح فهد، الحائزة حزاماً أسود في الكاراتيه ـــــ الكيوكشن، والعديد من الجوائز المحلية والدولية.
تلك الأعراف المذكورة لا تقف عائقاً أمام الشباب الذين يهتمّون بالفنون القتالية في النبطية، إلّا أن هؤلاء يواجهون مشاكل من نوع آخر. فمعظمهم برهنوا عن تميّزهم وتألقهم في الكثير من البطولات المحلية والخارجية، لكنّ ظروفهم الاقتصادية منعتهم من المشاركة في بطولات دولية، وخصوصاً في ظل إهمال رسمي يحيط بهم. هيثم كركي هو أحد الشبّان الذين عشقوا الفنون القتالية منذ الصغر. ممارستها أضافت إلى شخصيته الكثير من الثقة بالنفس، ومن الشجاعة والصبر. حالياً، يعمل كركي مدرباً في أحد النوادي الخاصة ليس أكثر. فالأوسمة التي حازها خلال مشاركاته في بطولات خارج لبنان، ولا سيّما في أوروبا واليابان، لم يسمع بها أحد من الرسميّين في لبنان، ليكافئه بمنحة أو بدعم يمكّنه من الاستمرار في المشاركة بمثيلاتها. فقد كان يتحمّل دوماً على نفقته الخاصة عبء تكاليفها، في ظل غياب أيّ دعم مادي أو معنوي رسمي في وطنه، ما جعل حماسته تتراجع عاماً بعد عام. كثيرون في النبطية، مثل كركي، تخلّوا عن اللعبة بعدما ملّوا قلة الاهتمام الرسمي التي يعانونها. علماً أنّ ممارسة هذه الألعاب يجب أن تُدعَم في لبنان، حيث يعشق معظم الشباب حمل السلاح، أكثر من غيره. فالكاراتيه تعني باللغة الصينية «اليد الفارغة»، أي التي لا تحمل سلاحاً، وهي تتضمّن أكثر من خمسين لعبة رياضية تتمحور حول الدفاع عن النفس بيدين خاليتين من السلاح، رغم أنّ تطوّر اللعبة مع الوقت سمح باستخدام أنواع محددة مثل السيف والرمح والعصا.
بدايتها كانت مع رهبان معابد «شاولين» الذين اقتربت فلسفتهم من البوذية في ما يتعلق بحظر قتل أيّ كائن حيّ من الحشرة الصغيرة إلى الإنسان. سلالاتهم تدرّس اليوم الفنون القتالية والحكمة في آن واحد، في مدارس خاصة يدخلها الأطفال في سن الرابعة. فلمَ لا نشجّع رواج ثقافة بهذا التسامح في بلادنا أيضاً؟