ارتفعت نسبة تمثيل النساء في المجالس البلدية بين عامي 2004 و2010 من 2.3% إلى نحو 5%. الناظر إلى النصف الفارغ من الكوب لن ترضيه النتيجة. أما من ينظر إلى النصف الممتلئ منه فقد يرى فيها ما يستحق التوقف عنده، وخصوصاً على صعيد نسب الفوز التي قاربت 45% من نسب الترشح
مهى زراقط
لم تعلن بعد النتائج الرسمية النهائية للانتخابات البلدية، بما يتيح قراءتها سياسياً، اجتماعياً وجندرياً. إلا أن النتائج العامة تشير إلى استمرار تدنّي مشاركة النساء في هذا الاستحقاق، ترشيحاً وفوزاً. فقد قدّرت الحصيلة العامة للنساء الفائزات بنحو 5% من مجموع المقاعد البلدية في لبنان. وهي نسبة تشير إلى ارتفاع يصل إلى الضعف، مقارنة مع نتائج الانتخابات البلدية عام 2004، إذ لم تتجاوز النسبة آنذاك الـ2.3%.
ارتفاع لا يأتي على قدر الطموحات، ولا الأجواء الإيجابية التي سبقت الاستحقاق، بدءاً من الموقف «التاريخي» للحكومة التي وافقت على كوتا الـ20% وإن لم تقرّ في مجلس النواب، مروراً بالورش التدريبية للنساء الراغبات بالترشح وقد تولّتها غير جمعية أهلية، انتهاءً بالحملات الدعائية التي ساهمت بها وزارة الداخلية كما عدد من منظمات المجتمع المدني.
السلبية تطغى على قراءة النتائج، وهي تراوح بين حديث عن «حرب إلغاء» تعرّضت لها النساء، وتحليلات تشير إلى «تدنّي الوعي العام» عند المواطنين الذين لم يقترعوا لمصلحة المرشحات. أما القراءات الإيجابية فتنطلق من أهمية الاستمرار في الترشّح، من دون أن يكون الفوز هاجساً.
هذا ما عبّرت عنه أكثر من سيدة شاركت في اللقاء الذي دعت إليه جمعية تنظيم الأسرة لمتابعة جهود مشاركة المرأة في الانتخابات البلدية الأسبوع الفائت. الجمعية التي كانت قد نظّمت ورشة تدريبية لعدد من النساء الريفيات في الجنوب لتشجيعهنّ على تأليف لجان في قراهنّ والترشح إلى الانتخابات، استقبلت المتدرّبات وعدد من الفائزات في الانتخابات ليناقشن تجربتهن بحضور الوزيرة منى عفيش والمحامية ماري روز زلزل.
وفي ما بدا واضحاً الخلاف في وجهات النظر بين عفيش وزلزل، إلا أن كلا الطرفين فضل عدم الذهاب في النقاش بعيداً واكتفى بإعادة التأكيد على رأيه. عفيش فخورة بإنجاز الاستحقاق الانتخابي، وبموافقة الحكومة على كوتا الـ20% التي رأت فيها إنجازاً يستحق التوقف عنده لأنه «أوّل تدبير بمعنى التمييز الإيجابي نحو المرأة». أما زلزل التي تنتقد مواقع القرار السياسي عموماً وتشكك بصحة التمثيل، لا تعلّق أهمية كبيرة على حصة الـ20% «لأن لا أهمية لأيّ تمثيل نسائي على صعيد اتخاذ القرار ما لم يصل إلى 30% بالحدّ الأدنى» تقول نقلاً عن دراسات متخصّصة معنية بعمل النساء في الشأن العام.
الاختلاف في الرأي بين عفيش وزلزل لم يمنع السيدتين من الاستماع إلى تجارب نساء خضن الانتخابات ونجحن. وهذا على الرغم من التشاؤم الذي أبدته رئيسة لجنة حقوق المرأة اللبنانية ليندا مطر بقولها إن العلة ليست في القانون بل في النساء أنفسهنّ، غير المقتنعات بقدراتهنّ. وذكّرت بأنها عندما ترشحت إلى الانتخابات النيابية عام 1996 حصلت على أصواتها من الرجال أكثر من النساء.
لا توافق ميشلين نعمة التي فازت في الانتخابات البلدية الأخيرة واقترعت لها النساء من مناصري اللائحة الثانية أيضاً. أما حليمة عز الدين فهي لم تفز إلا بعدما أدرجها حزبها (حركة أمل) على لائحته. في الحالين، السيدتان اللتان ترشحتا، كانتا شبه متأكدتين من النتيجة. حتى السيدة التي لم تفز، وهي من بلدة جنّاتا الجنوبية، خسرت بعدما تساوت نتيجتها مع نتيجة أحد المرشحين الأكبر سناً الذي يعطيه القانون أولوية الفوز.
هذه الأمثلة يمكن تعميمها. إذ تفيد الأرقام التي قدّمتها زلزل في ورقتها بأن نسبة النساء اللواتي فزن في الانتخابات تصل إلى 45% من نسبة السيدات اللواتي ترشحن. وهي نسبة مرتفعة لم يحظَ بها الرجال، وهي تعني أن خيار الاقتراع لمصلحة النساء بات مقبولاً من الناخبين. طبعاً لا يمكن الركون إلى هذه الأرقام للخروج بخلاصة تصبّ في مصلحة النساء بالمطلق، كالقول مثلاً إن نصفهنّ سيفوز حكماً مهما ارتفع عدد المرشحات. لكنها تفيد كمؤشر يتيح فهم سلوكيات أصحاب القرار، المرشحين، والناخبين على حدّ سواء، وخصوصاً إذا دعمتها أرقام ومعطيات أخرى.
ففي إشارتها إلى التوافق الذي ميّز الانتخابات عموماً، لاحظت زلزل أن نسبة المرشحات ونسبة الفائزات في المناطق التي حصلت فيها معارك انتخابية هي أكبر من غيرها، وقدّمت مثلاً من البترون حيث ترشحت 56 امرأة وفازت 25 أي ما يقارب 45% من المرشحات تمثل 9% من المقاعد، وفي الكورة ترشحت 101 امرأة وفازت 42. «لكن لا يسعنا القول إن المعارك الانتخابية تحفّز النساء على الترشح، أو أن نتائجها قد تكون لمصلحة النساء لأن تمثيلهنّ لم يكن مرضياً مثلاً في جبل لبنان وجبيل والشوف حيث فزن بأقلّ من 4%، وفي كسروان بنسبة أقلّ من 5%».
الملاحظة الثانية مرتبطة بالنسبة الأدنى للمشاركة النسائية، ترشحاً وفوزاً، التي وصلت إلى 1% في بنت جبيل والنبطية، ما قد يدفع إلى الاستنتاج أن «المناطق التي حصلت فيها توافقات أتت عموماً ضد النساء». لكن التعميم غير جائز في هذا الإطار، وخصوصاً أن التوافق في بعض المناطق انعكس إيجاباً كما حصل في طرابلس التي فازت فيها أربع نساء في الانتخابات. وقد ردّت زلزل الأمر إلى التعددية التي تعرفها المدينة على صعيد الانتماءات، ما جعل كل فريق يدرج امرأة ضمن حصته فجاء التوافق لمصلحة النساء». لافتة إلى أن هذا يعكس «وعياً بأن إدخال النساء هو دليل تقدم ومظهر حضاري بالنسبة للقوى المتنافسة، ما جعلها تشجع النساء على الدخول في المعترك».
هنا أيضاً لا يمكن التعميم، وخصوصاً إذا استمعنا إلى شهادة رئيس جمعية تنظيم الأسرة توفيق عسيران وهو يعرض نتائج الزيارات الميدانية التي قام بها مع عدد من النساء المتدرّبات، فلاحظ أن المرأة كانت ضحية التوافق والتنافس على حدّ سواء. «كنا نسمع الإجابة عينها في القرى التي ستشهد معارك أو تلك التي حصل فيها توافق: لا مكان للمرأة». وفيما أشار إلى أن المرأة لم تترشح إلا في الأمكنة التي كان فوزها فيها مضموناً، أعاد النقاش إلى نقطة بدايته: «لا يمكن وصول المرأة إلا بالكوتا».

كوتا الـ20% غير مجدية على صعيد اتخاذ القرار

فازت 45% من المرشحات وبقيت الحصة 5%

الدليل تجارب النساء اللواتي لم يترشّحن وكنّ من المتدرّبات. نورما تلج كانت لم تترشح «لأني لم أستطع الدخول إلى أيّ من اللائحتين اللتين تشكلتا في بلدتي (المية ومية)». خيار الترشح منفردة لم يكن وارداً بسبب الكلفة المادية «على الأقل كنت سأحتاج إلى 2500 دولار، أولادي أحقّ به». لكن نورما لا تزال مصرّة على الترشح في الاستحقاق المقبل «وأوّل ما سأفعله تحضير ميزانية خاصة».
ليست الميزانية ما تحتاج إليه ليلى علي أحمد (كفررمان)، بل القدرة على إقناع الناخبين باختيارها. هي لم تترشح بعد فشل محاولاتها الاندراج ضمن لائحة وملاحظتها أن سيدات قريتها لن يقترعن لمصلحتها. تقول: «قمت بزيارات للسيدات. في البداية الكلّ تحمّس لتأليف لجان نسائية، لكنهنّ في الزيارة الثانية قلن لي: نحن عندنا مرجعية حزبية، نسألها ونتصل بك. ولم يتصلن». هذا ما جعلها تغيّر رأيها وتدعم ترشيح ابن أختها. تعزّي نفسها بالقول: «سأترشح في المرة المقبلة بعدما صرت أعرف كيف يكون العمل».
كيف يكون العمل؟ لا تقدّم ليلى إجابة محدّدة. وفيما تنصح حليمة عز الدين بعدم الترشح ترشحاً منفرداً، تقترح سيدة حضرت اللقاء الرضوخ إلى «شروط اللعبة حتى لو لم نوافق عليها. يجب ألا نكون مثاليات. يجب أن ندرك ما يطلبه الناس ونحاول تأمينه عبر الخدمات المباشرة كما يفعل الرجال». فهل هذا هو الحلّ فعلاً؟ للنقاش تتمة.