أحمد محسنفضح فراس حيدر (1990ــــ2010) كل شيء. فضح هشاشتنا. كان الأكثر جرأة بيننا، ليعلن الموت قبلنا جميعاً. فراس ليس وحيداً. هناك طابور يومي طويل من الموتى أمام سفارة الولايات المتحدة الأميركية في عوكر. هناك جيل مستمر من القتلى اللبنانيين في مراكب الرعب البحرية التي تنقل المهاجرين غير الشرعيين إلى دول الأطلسي. هناك رصاص متواتر تحت الظلام في صدور المتسللين عبر الحدود الإيطالية ــــ السويسرية، وهناك سجون في بلجيكا وفرنسا تضيق بأصفاد الهاربين من أشكال القمع المتكاثرة. الحروب هنا لا تنتهي. وفي كل مرة يضطر شاب لإعادة التذكير بأن هذا المكان ليس بلداً بعد. ربما يكون الموضوع معقداً. المحللون الأمنيون أكثر من المواطنين. لكن ذلك لا يعني شيئاً. ثمة شاب مات مصلوباً على عجلة. تخيلوا فظاعة المشهد: اقتراب الروح من الغيوم والتصاقها مع الجسد في سفرها إلى الأبدية. التحام العظام بدوران محركات الطائرة والهواء الكثير الذي لفح الهارب. النظرات الأخيرة إلى الأماكن والأحباء. تخيلوا ماذا قال الهارب في رحيله الأخير وماذا يمكن القول عن جسد عشريني معلّق بإطار؟ مشروع موت مؤكد؟ ألم يبقَ شيء هنا؟ وقاتلٌ آخر من يلقي اللوم عليه. بعد حادثة فراس حيدر، يتضح جلياً أن من المستحيل إقناع أحد بالبقاء، وربما يكون الأجدر تسوّل تأشيرات الدخول إلى كندا وأوروبا، وإعلان اللبنانيين جميعاً شعباً لاجئاً عند حفنة من الأحزاب والسياسيين المجرمين الذين يستغلون الموت لتسجيل النقاط.
الوجهة أساسية أيضاً. السعودية ليست إيطاليا أو هولندا أو كندا. ليست دُبي حتى. أجمل شيء يمكن أن يكون هناك هو العمل في الشمس الحارقة. ليس هناك إطلاقاً ما يستحق المجازفة بالموت بهذه الطريقة. وهذا ليس تحاملاً على السعوديين، هم أحرار في النهاية أن يعيشوا كما يرغبون. لكن، أن يتعلق شاب لبناني لم يتخطَ العشرين من عمره بدولاب ضخم، ويتجرع الموت البطيء بين الأرض السماء، كي يذهب إلى السعودية تحديداً، فإنه لأمر مخيفٌ فعلاً.