محمد نزالقبل نحو 50 عاماً، ولد في لبنان أول معهد للدروس القضائية في المنطقة العربية. وبعد نحو 5 عقود، ها هو يطل بحلة جديدة من الحداثة التقنية والرقمية، حداثة يأمل المسؤلون في المعهد أن تُسهم في إنشاء جيل من القضاة يكون أبناؤه على قدر المسؤولية والتطلعات. بعدما نشرت «الأخبار» قبل يومين تقريراً مفصلاً عمّا بات عليه حال المعهد، وعمّا أضيف إليه من تجهيزات وتقنيات، افتُتح المعهد أمس بحضور وزير العدل إبراهيم نجّار وسفيرة الولايات المتحدة في لبنان، ميشال سيسون، بصفتها ممثلة الدولة التي «دعمت» لبنان بمبلغ 1.3 مليون دولار لإعادة تجديد المعهد، وذلك ضمن برنامج «تعزيز استقلال السلطة القضائية، ووصول المواطن إلى العدالة» البالغة تكلفته 8.2 ملايين دولار، بحسب ما جاء في بيان وزعته السفارة الأميركية.
تحقق «حلم» الوزير نجّار بافتتاح المعهد المُجدد، بعدما كان قد افتتح الورشة بتاريخ 14 تشرين الأول من العام الماضي، وتحدث يومها عن «صدفة» جعلته مشاركاً في الافتتاح نتيجة تمديد أعمال الحكومة آنذاك، معلناً أنه سيسلم «الأمانة إلى وزير آخر»، قبل أن يُعين وزيراً للعدل لولاية جديدة ويكون له أن يشهد على افتتاح المعهد.
حضرت سيسون بصفتها ممثلة الدولة التي مولت إعادة تجديد المعهد
تحدث نجّار فأشار إلى أن 50 قاضياً درسوا في المعهد خلال مدّة عام ونيّف، مشدداً على «حاجة المرفق القضائي إلى قضاة يتفرغون لعملهم، لتسريع المحاكمات، لأن هذا ما ينتظره منهم المستثمر». وأضاف نجّار قائلاً: «إن العالم يتطور، واللبناني كان متأخراً، ومع ذلك فإن من راهن على سقوط القضاء في لبنان فقد سقط رهانه. نحن في عصر إعادة الزمن الذهبي للقضاء». وأثناء إلقاء كلمته، غير المكتوبة، التفت وزير العدل نحو سيسون الجالسة إلى يساره، وخاطبها قائلاً: «سيدتي، إننا لا نستحي بالهبات ولا بالجهات المانحة. شكراً لشعب الولايات المتحدة الأميركية، شكراً لكل الجهات المانحة التي شاهدت ما شاهدناه في لبنان، من تقهقر وسقوط لكل ما يسمى الموازنة، لدرجة أن الموازنة اليوم، ونحن بصدد إعداد قطع حساباتها منذ عام 2004، لم يصدق عليها مجلس النواب، فكيف تريدون بالقضاء أن يعود ليكون ما نراهن أنه هو، من دون أن نقبل الهبات ونفخر بها؟»، مردفاً: «نقبل الهبات، لكن نحن لا نساوم على شعرة واحدة من كرامتنا»، قبل أن يختم: «اللبناني مثقف، ويستطيع تلقين العالم أجمع لجهة الأخلاق والعلم وضبط النفس، لكن ما يلزمنا فقط هو المؤسسات. قلبي مليء بالفرح، فقد عاد المعهد، لأن لبنان عاد إلى المؤسسات».
من جهتها، أبدت سيسون سعادتها بهذا الاحتفال. وكالعادة، لم تغب البسمة عن محياها خلال الكلمة التي ألقتها وقبلها وبعدها. أشارت السفيرة الأميركية إلى أنها اجتمعت قبل الافتتاح مع مجموعة من القضاة الجدد الذين «بدوا متميزين جداً وراغبين في خدمة بلدهم»، ورأت أن لبنان بلد «يتطور، ولمعهد الدروس القضائية دور أساسي في ذلك؛ لأنه يوفّر التدريب للقضاة الجدد، لكي يتمكنوا من مواجهة التحديات في المستقبل كما توفير العدالة والمساواة، وهذا الأمر هو من أولويات اهتمامات الولايات المتحدة الأميركية». وختمت سيسون قائلة: «إننا نؤمن بتقوية مؤسسات الدولة في لبنان، والقضاء هو من أبرز هذه المؤسسات»، واعدة بـ«إنجاز المزيد من المشاريع».
من جهته، شكر رئيس المعهد، القاضي سامي منصور، لـ«الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» (USAID) تمويلها ورشة التجديد، مسمياً بعض الأشخاص المساهمين بأسمائهم. ولفت منصور إلى أن المعهد خرّج 65 دورة قضائية، خلال مدة سنتين، تدرب فيها 120 قاضياً، 176 مساعداً قضائياً، 32 خبيراً، 25 مأمور تنفيذ، 54 كاتب عدل، 39 طبيباً شرعياً. وتوجه أيضاً بالشكر للوزير السابق بهيج طبارة الذي «بدأ العمل في المعهد أيام توليه وزارة العدل»، واصلاً الشكر للوزير الحالي إبراهيم نجار. وتوجه منصور إلى نجّار قائلاً: «نحن نؤكد استقلالية المعهد، هو الآن مستقل في الحجر عن وزارة العدل، لكن هل سيكون له الشخصية المعنوية المستقلة؟ نأمل أن يكون ذلك في عهدكم يا معالي الوزير». تبسّم نجّار في وجه منصور، وقال له: «إذا كان لا بد من ذلك، فليكن للمعهد الشخصية المعنوية. أنا مع هذه الخطوة، ليستقل المعهد وليكون من أكبر المعاهد اللبنانية، لكن دعوني أراقب بضعة أشهر، ثم يكون لكم ما تريدون».
لم يمر الاحتفال على الحاضرين من دون حصول ما ينغص فرحتهم، إذ تأخر الافتتاح مدّة 45 دقيقة بسبب عطل طرأ في المصعد الكهربائي، فاضطر البعض إلى الصعود 7 طبقات على الدرج في المبنى الكائن في منطقة الأشرفية، فيما فضّل البعض الآخر الانتظار في الأسفل ريثما يُصلح العطل. حضر الحفل رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي غالب غانم، رئيس مجلس الشورى القاضي شكري صادر، رئيس هيئة التفتيش القضائي القاضي أكرم بعاصيري، المدير العام لوزارة العدل القاضي عمر الناطور.