ماذا تفضّلين: المال، السلطة أم المعرفة؟» سؤال «مصيري» حسم نتيجة انتخاب ملكة جمال لبنان 2010 الأسبوع الفائت. ماذ لو طرح السؤال ذاته على صبايا لا يطمعن بالتاج، ولا ترصدهن كاميرا؟
رنا حايك
عاماً بعد عام، يختار لبنان جميلته. البعض يهتم بالحدث السنوي. البعض يحتفظ بموقف نسوي حاد تجاهه. هناك أيضاً من يتندّر على المستوى الثقافي للمتنافسات على التاج، وبالتالي على مستوى الأسئلة التي تطرح عليهن لتحديد أجملهن قالباً وقلباً، وعلى الأجوبة التي يجبن بها. صحيح أنهن يافعات، لكن الأسئلة التي تطرح عليهن غالباً ما تحاكي المسابقات الإنشائية التي يُمتحَن بها التلامذة في المدارس، بينما تأتي إجابة من فهمت منهن السؤال سطحية في الغالب، ومحكومة دائماً بضرورات «ماء الوجه». فالكاميرا تسجّل وآلاف اللبنانيين يتابعون الحفل من منازلهم، والملكة يجب أن تنصاع لتلبية الأعراف السائدة من تعفّف واستقامة واهتمام بالطفولة وصون للعيش المشترك وتسويق عال لبلد الأرز ومواويل لبنانية أخرى رائجة في حفلات الزّجل.
هكذا، علقت لسنوات في أذهان اللبنانيين دورة عام 1997. من منهم قد ينسى الحفل الذي أعطاهم مادة دسمة للتّندر حين سُئلَت الصبية: «ماذا تقولين للسياح لجذبهم إلى لبنان؟»، فأجابت: «بقلن لبنان كتير حلو وعنا كتير SHOPPING». يومها، نالت نسرين نصر التاج، وضحك اللبنانيون شهوراً طويلة.
هذا العام، كان السؤال النهائي: «ماذا تفضّلين؟ المال أم المعرفة أم السلطة؟».
لم تكن المشكلة أن السؤال فُهمَ خطأً، إذ ركّزت جميع الإجابات على ترتيب الخيارات المطروحة بحسب الأولوية، لا على اختيار واحدة منها يفضّلنها (علماً بأن مقدّم الحفل أشار إلى أن السؤال سبق وطرح عليهنّ خلال فترة التدريب)، لكنّ الإجابة كانت موحدة، فقد تصدرّت المعرفة جميعها، بطبيعة الحال. فحين يُطرَح على مرشّحة لنيل لقب ملكة جمال لبنان سؤال كهذا، يصبح التواطؤ فاضحاً، ويُصَنَّف السؤال لا محالة في خانة كتب من نوع «الميسّر لنيل التاج». فأي مرشّحة تتمتع بالقليل من الحكمة، سوف تدرك، مهما تفاوتت نسبة نباهتها، أن المعرفة يجب أن تتصدّر القائمة، في حفل «ما يطلبه المشاهدون».
ولكن، إذا ما تخففت الصبايا من عبء الكاميرا الموثّقة، ومن توتّر انتزاع التاج، هل تظلّ الأولوية للمعرفة؟
«أكيد باختار المال يا تقبريني. لإنو بيجيب المعرفة والسلطة، أما إذا ما معك مصاري، ما حدا بيطّلع فيكي!»، تقول أليسار، التي أكسبتها صراحتها المفرطة تاجاً خلال انتخابات ملكة الجمال في مدرستها. يومها، سألها مقدّم الحفل ماذا ستحقق لو امتلكت عصا سحرية. «ما حإتفلسف وقلكن السلام العالمي متل ما بيقولوا البنات بهيك مناسبات. مش فرقانة معي يشقفوا بعضن. طلبي حيكون مصاري تضل إشتري جزادين CHANNEL، وإتجوّز»، أجابته أمام الحضور من أهل وأساتذة ضحكوا كثيراً ومنحوها التاج لصراحتها.
«ما ناقصني معرفة. بدي مصاري» تبوح شيرين، بينما تعترف لينا، بواقعية شديدة وبمنطق يبدو سليماً، بأن «المعرفة تُحصَّل بجهد ذاتي، ولا تُمنَح، لذلك لا يمكن شيئاً أن يمثّل عائقاً بينها وبين مريدها، لذلك من غير المفيد طلبها من وسيط هو الآخر. والسلطة، أكرهها لأنها تأتي بمسؤوليات أنا في غنى عنها. أما المال، فهو ما لا يُحصَّل بحسب المجهود في بلادنا، فكم من صاحب خبرة وكفاءة محروم من مركز يستحقه عن جدارة في هذا البلد؟ طبعاً أفضّل المال».
ريما كانت أكثر بلاغة وتهكماً في ردّها، صحيح أنها أجابت بطريقة مماثلة حين قالت «بدي المال والسلطة، لإني باعرف كل شي!»، إلا أن المعرفة التي تقصدها كانت مميّزة، يدركها كل من يعيش في هذا البلد حيث «المسؤولون أعطونا المعرفة وأخدوا كل المصاري. بالحرب والسلم عرّفونا اللي ما حدا عرفه وشافه. ما بقى بدنا المعرفة ياخدوها ويردّوا المصريات!» تقول ساخرة.

تنصاع أجوبة الملكة لأعراف ومووايل حفلات الزجل اللبنانية
بدورها أجابت دانيا بأنها تفضّل المال طبعاً، لأنه يمكّنها من تلقّي المعرفة، حتى «أشتري كل الكتب التي أريدها، ولا أحمل همّ معيشتي بل يكون كل شيء متوافراً لي لأتفرغ للقراءة». ولأن «المال في بلادنا يوصل للمعرفة، بالنسبة لمن يطلبها طبعاً، أما العكس، فغير صحيح، وإلا لما شاعت في مجتمعاتنا مصطلحات مثل واسطة ورشوة ونفوذ»، اختارت سينتيا المال أيضاً.
في المحصّلة، بدت عيّنات الأجوبة متفاوتة، وإن دلّت على شيء، فعلى حقيقة واحدة، هي على المقلب الآخر من مقولة «فاقد الشيء لا يعطيه»: يطلب الإنسان ما ينقصه. هكذا، تتساءل ريتا «كيف اختارت جميع المرشحات المعرفة كأولوية، بينما يتنافسن في مباراة من شأنها منحهن المال والسلطة؟! لو لم تكن المعرفة تنقصهن لما اخترنها». وفعلاً، جاءت إجابات الفتيات الواثقات من ثقافتهن، ولو أنها قد تبدو فجّة بالنسبة للبعض، واقعية: المال. وهو أمر ليس معيباً، ولا يعني أنهن يزدرين المعرفة، كل ما في الأمر أن تقويمهن غير محكوم بكاميرا تلاحق ردودهن لتصيّد الهفوات، ولا بأصوات يردن تكديسها لنيل تاج برّاق، بل بيقين وثقة قويين بالنفس، وبمنطق مُحكَم لا يراوغ الواقع، بل ينظر إليه بنضج ومن دون نفاق. معروف عن اللبناني أنه «حبّيب حياة»، والحياة المرفّهة طبعاً تحتاج إلى المال. فلماذا الإنكار؟ ولِمَ يصبح المال، في سباق القمة نحو الظهور بمظهر التعفف والطهرانية، مطلباً معيباً وقفاً لمعاني الأخلاقية الرائجة؟


السلطة بتجيب المال