لا يزال عدوان تموز يسكن أرجاء مستشفى صور الحكومي. فلا داعي هنا لاستعادة الذكرى في مثل هذه الأيام، لأن الغرف المتواضعة والجدران المتداعية وفريق العمل الصامد رغم الظروف المزرية، يعيشون آثار عدوان مستمر وما سبقه وما تلاه من اعتداءات عدوة وصديقة
صور ــ آمال خليل
لا خطة طوارئ إذا اعتدت إسرائيل على الجنوب، فليكن، لكن ألا يجب، على الأقل، دعم مستشفيات تجد نفسها في الخطوط الأمامية للمواجهة؟ المشكلة أن العدوان على الجنوب لا ينحصر في الحروب. فقد نقل أخيراً إلى المستشفى عماد عطوي إثر إفراج إسرائيل عنه بعد اختطافه ساعات من مزارع شبعا. مضروباً كان عماد وحاملاً على جسده آثار دعسات جزمات الجنود الإسرائيليين. داوى المستشفى جروحه وورماً تفشى في كاحله الأيمن. وقبله بأشهر، رقد هنا عبد الله زهرة والأخوان طراف ومحمد طراف وسائر اللبنانيين الذين اختطفتهم إسرائيل منذ التحرير من الأراضي اللبنانية.
إذاً، فالمستشفى شاهد عيان دائم على العدوان الإسرائيلي المستمر منذ اجتياح عام 1982 حتى تحول إلى مركز لاستقبال الشهداء، وتحولت باحته الخلفية إلى مقبرة مؤقتة لدفنهم كودائع حتى انتهاء العدوان كما حصل في تموز 2006. مع ذلك، فالكثيرين يقرون بأن أهل البيت والأنسباء المعنيين «يشنون بدورهم عدواناً آخر قوامه الإهمال والمحاربة وحجب الدعم حتى الموت»! حسب مصدر في المستشفى تمنى عدم ذكر اسمه، ما يعكس حسرة لدى العاملين فيه «للمكافأة» التي استحقها مستشفاهم و«يدفعنا إلى التراخي في تقديم واجبهم في الحروب المقبلة» حسب ممرضة تعمل في المستفشى منذ 15 عاماً. علما بأن التكريم الأوحد الذي ناله هؤلاء بعد العدوان كان حفل غداء أقامته على شرفهم وزارة الصحة ودرعاً تقديرية.
لا يصعب على المتجول في أنحاء المستشفى المؤلف من طابق أرضي وحيد، أن يكتشف ضرورة التأهيل العاجل الذي يحتاجه المبنى المنشأ أواخر عام 1958 على مدخل مخيم البص، وخصوصاً بسبب الأحداث الأمنية التي واجهها خلال الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة. فالمدخل الرئيسي يؤدي مباشرة إلى غرف المرضى التي يضم بعضها أكثر من خمسة أسرّة. أما أقسام الأشعة والتوليد والعمليات فلا تؤدي العمل المطلوب منها بالشكل اللازم، فيما مخزن الأدوية فارغ إلا من الأنواع العادية منها. كما أن سيارات الإسعاف الأربع التابعة للمستشفى تحرم من الصيانة الفعلية في كل مرة تتعطل فيها منذ الاستعانة بها قبل سنوات. قسم العناية الفائقة للمواليد الجدد متوقف بسبب كلفة تشغيله التي لا تتحملها إمكانيات المستشفى، فيما العناية الأحدث في المنطقة التي استحدثتها وجهزتها مؤسسة الوليد بن طلال قبل ثلاثة أعوام، لم تشغل بتاتاً للسبب ذاته.
وإذا كان ما بذله المستشفى خلال عدوان تموز، دافعاً كافياً لدى الحكومتين الإيطالية والكويتية، وعدد من الهيئات المانحة ورجال الأعمال لدعمه، فإن وزارة الصحة وبعض الأطراف المعنية ليست كذلك. فالوزارة لا تدرجه ضمن المستشفيات التي تصرف لها تحويلات مالية شهرياً، بل يعتمد على العائدات الرمزية لاستشفاء المواطنين، بالإضافة إلى لجنة الدعم الصحي الخاصة به. ويفسر مصدر إداري رفض الكشف عن اسمه حجب المليارات التي تمنح للمستشفيات الخاصة المحيطة، بأن «صور الحكومي» «لا يزال تحت الإدارة العسكرية». فقد دفعت الأحداث الأمنية التي شهدتها المنطقة بسبب الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة والحروب الأهلية، إلى إخضاع المستشفى لسلطة الجيش عام 1990، بهدف حمايته. إلا أنه بعد مرور 20 عاماً لا يزال المستشفى عسكرياً يديره ضابط في الجيش.
ولدى التدقيق يتبين أن بعض أطباء المستشفى الموظفين أو المتعاقدين يحولون المرضى إلى المستشفيات الخاصة، حيث بإمكانهم أن يتقاضوا مبلغاً كبيراً لقاء عملية جراحية بسيطة بدلاً من الأجر الرمزي هنا. إلى جانب ترويجهم بأن الخدمة الطبية ونوعيتها أفضل في سواه. إلا أن «صور الحكومي» يعود ليزدحم بالمرضى بدءاً من منتصف الشهر، لدى توقف المستشفيات الخاصة الأخرى عن استقبال المواطنين بسبب «إنفاق السقف المالي الذي صرفته الوزارة لها». ما يثير تساؤلاً عن المستفيدين، وخصوصاً في ظل ما يشاع عن أن بعض المسؤولين الرسميين عن صحة الناس هم شركاء في عدد منها.

يعود مستشفى صور الحكومي ليزدحم بالمرضى بدءاً من منتصف الشهر
الحل لأزمة المستشفى يختصرها المصدر «بتحويله إلى إدارة عامة تتبع للوزارة على غرار المستشفيات الحكومية الأخرى، فيستفيد من سقف مالي تشغيلي لعلاج المرضى وتوفير الأدوية وفتح باب التوظيف ورفع معاشات الأطباء ومراقبة عمل المراقبين المعتمدين من الوزارة». إشارة إلى أن 42 من الموظفين، ثابتون مسجّلون في الوزارة ويتلقون راتباً شهرياً، إضافة إلى الضمان الاجتماعي. وهناك أكثر من 72 سواهم في عداد المتطوعين الذين يتلقون راتباً رمزياً من لجنة دعم المستشفى الذي يتلقى تمويله من الرسوم الرمزية التي يحصلها من المعاينات الطبية من المرضى ولا شيء منها من وزارة الصحة؛ إضافة إلى أنهم لا يدخلون في الضمان الاجتماعي.
لكنّ هناك حلاً أكثر سهولة برأي البعض مرتبط بـ«شحطة قلم» ينتظر أن يكتبها مجلس النواب للموافقة على تشييد مبنى جديد للمستشفى على عقار استملكته أخيراً وزارة الصحة على مدخل صور الجنوبي. علماً بأن الأموال اللازمة التي منحت مكافأة له بعد العدوان من دولة الكويت (10 ملايين دولار) وقرضاً بالقيمة ذاتها من بنك التمويل الإسلامي، لا تزال محفوظة منذ أربع سنوات تحت إشراف مجلس الإنماء والإعمار من دون سبب واضح يمنع استخدامها للغاية. علماً بأن مستشفى متخصصاً بطب العيون وجراحة العظم يشق أساساته في منطقة قدموس في العباسية بإشراف الجمعية اللبنانية لرعاية المعاقين، في المكان الذي رفض فيه سابقاً طلب «صور الحكومي» لتشييد مبناه الجديد.