زار جبيليون أخيراً الجنوب المحرر بدعوة من هيئة دعم المقاومة. لم يكن الهدف من الزيارة إلا رؤية الأرض التي حررها أهلها ذات أيار من العدو الإسرائيلي. قضوا يومهم هناك، ورجعوا على نية العودة إليه مجدداً
جوانا عازار
«الجنوب إلنا كلنا. منّو لحدا ومش لحدا تاني». كان هذا انطباع كلود مرجي، عضو الهيئة التأسيسيّة في التيّار الوطني الحر، بعيد مشاركتها في الزيارة التي نظّمتها هيئة دعم المقاومة الإسلاميّة قطاع جبيل ــــ كسروان إلى الجنوب. رحلة أراد منظّموها أن تكون «إطلالة على الجنوب، أرض التحرير والمقاومة، يتعرّف من خلالها أهل جبيل على حياة المقاومين وعلى التراب الذي يقاومون لأجله»، كما يقول لـ«الأخبار» مسؤول هيئة دعم المقاومة الإسلاميّة ــــ قطاع جبيل وكسروان هشام الحلاني. وتضيف مرجي ما لم يقله الحلاني، قائلة «لأننا وحزب الله الأدرى بقيمة التحرير، وكي لا يبقى تفاهمنا حبراً على ورق، أردنا أن تتشارك نساء من التيّار الوطنيّ الحرّ ونساء من حزب الله في هذه الرحلة». السادسة والنصف صباحاً، انطلق الباص من جبيل. اكتملت عدّة المشاركين: صور السيّد حسن نصر الله والعماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجيّة. فولارات برتقاليّة وصفراء وخضراء. وأغانٍ للمقاومة «عالخفيف»، تقول ابتسام من هيئة الدعم.
«جايين ع بلادنا، ع أرضنا لأوّل مرة»، تقول هدى سعد من بلدة حبوب في جبيل. وتضيف «عيب علينا أن نتقاسم الأرض، نحن ندوس على التراب عينه، تراب تفوح منه رائحة العنبر من الشمال إلى الجنوب». تكمل مارغريت نجم من بلدة ترتج في جبيل حديث سعد، فتأسف لأنه «بقينا 32 سنة مزروبين بمناطقنا ما فينا نروح مطرح، هيدي أرضنا، بدنا نتعرّف عليها، بدنا نعرف بلادنا». في صحبة مارغريت، شربل ابن الاثني عشر عاماً. هو أيضاً جاء ليرى «أرضي وحدودي». في الطريق إلى قلعة الشقيف، المحطة الأولى، استمع الزوّار إلى شرح أحد المقاومين من جبل عامل عن مواقع «سطّر فيها المجاهدون عمليات نوعية ضد العدو». عند مدخل القلعة، التي شهدت طريقها «أشهر العمليات والكمائن»، ترتفع لوحة كبيرة تتحدث عن «أيار وعرس النصر في كل دار». تنظر كاتيا ملحم إلى اللوحة، وتقول «يا ما هالأرض أكلت من إجرين الشباب، لولا صمودهن ما انتصر لبنان». هناك، كان في انتظارهم أحد ضباط المقاومة الذي تكفل بشرح ما جرى خلال حرب تموز. يبتسم الضابط لزواره ويقول «رح اختصر، وقول إنه زهقناهم للإسرائيليين من الحرب». ويضيف «كسرنا إرادتهم وسلبناهم الرغبة في القتال واليوم نقول لأهلنا إننا انتهينا من مقولة لبنان قوي بضعفه، خرجنا من عقدة الخوف وأصبح لبنان قويّاً في قوته». كلامه استدعى زلغوطة من نايلة مرعي لـ«جبيل وللجنوب وللسيّد والجنرال وفرنجيّه». من قلعة الشقيف إلى معتقل الخيام. هنا شهادة حيّة من الأسير علي خشيش الذي أمضى 11 عاماً في هذا المعتقل. يسترجع خشيش الحياة بين جدران زنزانته التي لا تتعدى «متراً ونصف بمترين». ويقول «كنا نجلس 5 معتقلين. كنا نرى الشمس لخمس دقائق في الشهر، ناهيك عن التعذيب داخل الغرف وخارجها». يأسف لأنه سُجن في «قلب بلدي». في المعرض قرب المعتقل، وُضعت آلات التعذيب التي استخدمها الإسرائيليّون وغنائم الحرب ومجسّم عن المعتقل الذي دمرته إسرائيل في حرب تموز. من الخيام إلى الطيبة. كان على الزوار المرور بجانب الحدود. «ما بصدّق»، قالت الشابة رين بلانش بولس عند رؤيتها من نافذة الباص مستوطنة المطلّة. تقول مرتبكة «هاي فلسطين المحتلة ونحن على بعد أمتار عنها». من الطيبة إلى مارون الراس التي «ترفع الراس»، يعلّق أحد المقاومين. قريبة مارون الراس من المستعمرات الإسرائيلية على أرض فلسطين. الفرق واضح بين الأرضين المحاذيتين: اللبنانيّة وفلسطين المحتلة، فإن كان «كل منا عنده المياه والأرض، لكن الفرق أن لديهم اهتماماً من الدولة، ونحن لا اهتمام من الدولة بنا وبأرضنا». لكن، مع ذلك، هناك ما يعوّض «فلنا الحرية والسيادة والاستقلال التي تغيب عنهم»، يقول المقاوم.
إلى المحطة الأخيرة: بنت جبيل. المدينة التي أسماها العدو «المدينة الملعونة». هناك، كانت نهاية اليوم الطويل. كان «مشواراً من العمر». هكذا وصف الجبيليون نهارهم الجنوبي. قالوا «رح نبقى هون كلنا ونمنع الإيد الغريبة من الدخول بيناتنا».