الحب، هو طاقة مبدعة تتحوّل داخلي إلى مادة لبناء عالمي الجديد و«أنا» الجديدة. هكذا، يصف عالم الاجaتماع الإيطالي فرانشيسكو ألبيروني علاقته بالحب، وهكذا، كانت الجملة منطلقاً، لسلسلة لقاءات ينظّمها نادي العلوم في جمعية «نحن» لبحث المواضيع الاجتماعية في إطار علمي
أحمد محسن
العلم والفلسفة، في الجامعات اللبنانية، مجرد اسمين لاختصاصات نظرية. التطبيقات معقّدة، أو على الأقل، لا تلقى الاهتمام الكافي. من هنا، وجد نادي العلوم والفلسفة في جمعية «نحنُ» نفسه مضطراً إلى البحث عن البدائل. تبدو الفكرة غامضة بدايةً، لكن، حين تجد عشرين شاباً متحلّقين لمناقشة مواضيع حياتية يومية، في إطار بحثي علمي، تتّضح الصورة تدريجياً. وفي هذا السياق، تقول منسقة النادي في الجمعية، سوزي مداح، إنّ الطلاب يواجهون مناهج جامدة، ذات مستوى أكاديمي عالٍ، لكن هذه المناهج، لا تتطرق إلى الامتدادات الاجتماعية والثقافية للمواد العلمية. يذكّر حديثها بأسئلة طلاب المرحلة المتوسطة البديهية إلى أساتذتهم عن المواد العلمية، كأن يقول أحد الطلاب: «ماذا نستفيد من هذه الأرقام في حياتنا العملية؟». حاول النادي، في لقائه الأسبوعي، البحث عن أجوبة، فالمسؤولية، كما تقول مداح، «لا تقع على دكاترة الجامعة بل يشعر الطلاب بخللٍ في السياسة التربوية العامة التي تقلّل من أهمية البحث العلمي والمؤتمرات العلمية».
النشاط ما زال متواضعاً ليكون بديلاً. فهو يقتضي ببساطة، أن يناقش أحد الأشخاص، فرضية علمية متعلّقة بمسألة حياتية ـــــ اجتماعية، بواسطة أيّ إمكانات متاحة. وفي الحلقة الأولى، ناقشت لمياء أبي راشد، الطالبة، رسالتها في الماجستر، قسم الفلسفة في جامعة القديس يوسف، التي تمحورت حول العلاقة بين الحب بأبعاده الإنسانية والعلم. طرحت أبي راشد العديد من الأسئلة: كيف نعرف أننا نحبّ؟ هل هناك معيار علمي؟ خلال شرحها، الذي استمر عشرين دقيقة تقريباً، استندت أبي راشد إلى نظرية عالم الاجتماع الإيطالي، فرانشيسكو ألبيروني (1929)، محاولةً تعزيزها بآراء للفيلسوف اليوناني أفلاطون، وآراء فلسفية حديثة للفرنسي جان بول سارتر، والألماني فريدريك نيتشه. لم تكتفِ أبي راشد بهذه المعطيات، بل دعمت بحثها بمقتبسات من أفلام وروايات عالمية. كان النقاش هادئاً في الشكل، وصاخباً في كمية الأفكار المطروحة، فعلاوة على التجارب الشخصية التي قدمها الحاضرون، تناول المتحاورون مسألة الدين والحب. ويمكن القول إنّ أهم المداخلات التي قُدمت في هذا الإطار، خلصت إلى أن الحب والدين متشابهان من ناحية علاقة أحدهما بالإنسان، بوصف الأخير كائناً محدوداً، وبحاجةٍ دائمة إلى الارتباط بخلفيّة أوسع. وقدم متحاور آخر وجهة نظر أكثر علمية، منطلقاً من تجربة شخصية صرفة، فرأى أن مفعول الحب العلمي، قادر على تطوير علاقة الإنسان بالمجتمع، لما تفرضه علاقة الحب الشخصية من واجبات على الفرد، لجهة تقديم التنازلات، والالتزام بقضايا مشتركة.
وكان لافتاً حضور أحد المحاضرين في الجامعة اللبنانية، وهو يدرّس مادة علم النفس، في كلية الآداب والإنسانيات. لم يكن المحاضر مدعوّاً، وعرف باللقاء صدفةً، بواسطة البريد الإلكتروني، لكنه أبدى اهتمامه بالحدث، مقترحاً أن يقدم محاضرة في وقت لاحق. وفي الحديث عن الحماسة، لاقت الخطة إقبالاً غير متوقع. فقد اقترحت إحدى الحاضرات أن تطرح فرضية التنمية بأسلوب علمي لاحقاً، وتحمّس مشترك آخر (حائز درجة الماسترز في الفيزياء)، مبدياً رغبته في مناقشة العلاقة بين «العلم التوقّعي» والمجتمع، أي إمكان أن يكون الفرد مسيّراً أو مخيّراً، لكن، الحجج يجب أن تكون علمية هذه المرة، والطالب المذكور، اختار الفيزياء باباً، للدخول إلى المجتمع، وتوقّع تصرفات الأفراد فيه. وأشارت منسقة النادي، مداح، إلى أن الجمعية تنوي تحويل هذا اللقاء إلى أسبوعي، بعدما كان مقرراً عقده مرة كل أسبوعين. بيد أن ذلك لا يعني التخلي عن الشروط العلمية، فالجمعية تبحث عن فكرة حقيقية، على علاقة بالواقع الحياتي اليومي، وإذا كان صاحبها غير مضطر إلى أن يكون مجازاً أو صاحب رسالة أكاديمية، فإنه يجب أن يكون مختصّاً، أو ملمّاً بالفضية التي ينوي طرحها للحوار، مع إمكان الاستعانة بالسينما، أو الدراسات الموثوق بها.


لقطة

100 دقيقة



في أول جلسة للنادي العلمي، مخصصة لدراسة العلاقة بين المجتمع والعلوم، ناقش المجتمعون الأفكار المتعلّقة بالحب من منظار علمي، لمدة 100 دقيقة كاملة.
وقد ركّزت المداخلات التي قُدمت على دور العلم كمكوّن رئيسي في تقدّم المجتمعات


لفتت منسقة نادي العلوم والفلسفة في جمعية «نحنُ»، سوزي مداح، إلى أن الحلقة المقبلة من الجلسات ستتناول موضوع «الرياضيات المتوحشة والجميلة كالفن»، حيث ستحاول مداح البحث عن الرياضيات في الأدب والفن، ودراسة إمكان وجود نظام في الفوضى





استندت لمياء أبي راشد في موضوعها (الحب بأبعاده الإنسانية والعلم) إلى مقولة شهيرة لعالم الاجتماع الإيطالي، فرانشيسكو البيروني، يرى فيها «أنّ علماء الاجتماع محرجون حتى اليوم من الاعتراف بوجود قاسم مشترك بين الحب ومظاهر تاريخية عظيمة، كالثورتين الفرنسية والروسية»