كان من المتوقّع افتتاح مستشفى بنت جبيل الحكومي، الذي رمّمته حكومة قطر بعد تدميره في حرب تموز بكلفة 10 ملايين دولار، مطلع العام الجاري، لكن ذلك لم يحصل في المنطقة التي تحتاج إلى 120 سريراً، فيما المتوافر محلياً لا يتجاوز 44 سريراً، وسيؤمن المستشفى النقص مع 200 سرير هي قدرته. العيادات الخارجية للمستشفى بدأت مذّاك باستقبال المرضى، فما المشكلة في تشغيل بقية الأقسام؟
داني الأمين
أشهر طويلة مرّت، وأبناء بنت جبيل لا يزالون ينتظرون بأناة افتتاح مستشفى بنت جبيل الحكومي، الذي عمدت الحكومة القطرية، بحسب رئيس مجلس إدارتها توفيق فرج، الى ترميم بنائه بعد حرب تموز ووضعت له البنى التحتيّة، وجهّزته بأحدث المعدّات وأكثرها تطوّراً: من قسم الطوارئ والعيادات الخارجية وقسم العناية الفائقة، وأقسام للأمراض الداخلية والعلاج الكيميائي والقلب والجراحة النسائية الخ، إضافة الى قسم خاص ومتطوّر جداً للعلاج الفيزيائي، وثلاث غرف كبيرة للعمليات الجراحية، وقد فاقت كلفة المعدّات 10 ملايين دولار أميركي.
كان من المتوقّع افتتاح المستشفى مطلع العام الجاري، لكن ذلك لم يحصل، رغم أن العيادات الخارجية للمستشفى بدأت منذ ذلك التاريخ باستقبال المرضى. وبحسب أحد موظّفي المستشفى، فإنه يوجد في المستشفى الآن 58 موظّفاً، من بينهم الممرّضون الذين جرى تعيينهم عبر مجلس الخدمة المدنية، وهم الآن يتقاضون رواتبهم، ومنهم من عيّن منذ نحو 6 أشهر والباقي منذ شهر تقريباً. إضافة الى وجود 48 طبيباً مكلفين بمعاينة المرضى في العيادات الخارجية و10 أطباء جرّاحين. وبحسب المصدر عينه، فإن «معظم الأطباء لا يداومون في العيادات المخصّصة لهم، لعدم وجود المرضى». لكن لماذا؟ أليس العكس هو المفترض؟ يقول الرجل إن «الأطباء أنفسهم يعملون في مستشفى صلاح غندور القريب جداً من المستشفى الحكومي، والذي يدفع فيه المريض بدل فحص طبّي لا يتجاوز 9 آلاف ليرة، بينما بدل الفحص الطبي في المستشفى الحكومي هو 15 ألفاً».
ويتابع قائلاً: «الكثيرون من مرضى المنطقة لا علم لهم أصلاً بوجود المستشفى الحكومي الذي لم يفتتح بعد». ويؤكّد ذلك عماد إبراهيم (دبل)، أحد المرضى الذين زاروا المستشفى بناءً على طلب طبيبه الخاص، فيقول: «فوجئت بوجود المستشفى وبالمعدّات المتطوّرة الموجودة فيه، ورغم أن بدل المعاينة أغلى من مستشفى صلاح غندور، فإن تفعيل هذا المستشفى والإعلان عن وجوده أمر مهمّ جداً، فالمنطقة تحتاج إليه، وأعتقد أن هناك من يقف خلف عدم الترويج لوجود هذا المستشفى المميّز».
هناك من يقف خلف عدم الترويج لهذا المستشفى المميّز
لكن رئيس مجلس إدارة المستشفى، توفيق فرج، ليس من هذا الرأي، وهو ينفي «أي تقصير أو إهمال في عملية افتتاح المستشفى»، ويؤكد أن المستشفى سيفتح أبوابه في القريب العاجل، بعدما جرى تدريب الأطباء والممرّضين على الأجهزة الحديثة والمتطورة فيه، ما ساهم في تأخير الافتتاح، «ونحن اليوم في انتظار تنظيم الإجراءات اللازمة لعملية الافتتاح التي من بينها حضور المسؤولين القطريين والرئيس نبيه برّي الذين لهم الفضل الأساس في وجود المستشفى وترميمه وتجهيزه». لكن هناك مشكلة أخرى في هذا السياق. فالمنطقة التي تغيب عنها فرص العمل، يجد أبناء مدينة بنت جبيل أن لهم الأفضلية في توظيفهم في أهم مرفق صحي في المنطقة. ويشكو علي بزي من أنه «لم يجر توظيف أحد من أبناء بنت جبيل، رغم وجود عشرات الموظفين من المنطقة، باستثناء 4 حرّاس، وكان يمكن مجلس إدارة المستشفى بحسب القانون توظيف عدد من أبناء المدينة، بدون العودة الى مجلس الخدمة المدنية».
ويجزم فرج أن «إدارة المستشفى حرصت على أن لا توظّف أي ممرّض إلا عن طريق مجلس الخدمة المدنية، وحسب الأولوية القانونية المعتمدة على الكفاءة، وهذا أمر محسوم، فما جهّز به المستشفى من معدّات متطوّرة، قد يجعله من أفضل مستشفيات لبنان، لذلك قرّرنا عدم قبول أي طبيب أو ممرّض لا يتمتّع بالكفاءة، ولن نسمح بغير ذلك ولو تدخّل السياسيون».
ويرى أبناء بنت جبيل أن المستشفى المجهّز بأحدث الآلات (200 سرير)، سيعالج مشكلة الاستشفاء في المنطقة. ويقول علي سعد إن «كلّ الحالات المرضية الصعبة ترسل الى مستشفيات صيدا وبيروت، حتى الولادة منها، لعدم وجود حاضنات لحديثي الولادة، وما جهّز به مستشفى بنت جبيل الحكومي يؤمن جميع الخدمات الطبيّة اللازمة، رغم أننا لا نزال خائفين من عدم القدرة على اختيار الأطباء المتخصّصين من أصحاب الكفاءة العالية، على أمل أن يتحقّق ذلك».
ويذهب المواطن حسن كرنيب (حدّاثا) الى أن «كلّ تأخير في افتتاح المستشفى المجهّز، من شأنه المساهمة في معاناة مرضى المنطقة، الذين يضطرّون الى الانتقال الى مستشفيات المدن، وزيادة حالات الوفاة والإعاقة الناجمة عن النقص في المعدّات الطبية، في مستشفى صلاح غندور الوحيد هنا، فكثير من مرضى القلب ماتوا على الطرقات أثناء نقلهم الى مستشفيات صيدا وبيروت».
يذكر أن في منطقة بنت جبيل نحو 120 ألف مواطن يحتاجون، بحسب دراسة لمجلس الإنماء والإعمار، إلى 120 سريراً، بينما يحوي مستشفى صلاح غندور، الوحيد في المنطقة، 44 سريراً فقط، مع العلم بأن مستشفى تبنين الحكومي لا يزال حتى الآن مستخدماً لاستقبال حالات الطوارئ والإسعافات الأوليّة فقط.
تجدر الإشارة الى أن أرض المستشفى ابتيعت أثناء الاحتلال الإسرائيلي، من الحقوق الشرعية المتوجّبة والمدفوعة من المرحوم الحاج محمد داغر، ومثّلت الحقوق الشرعية المدفوعة من غسان محمد داغر المساهمة الرئيسية في وضع أساس مشروع المستشفى حتى مرحلة الخرسانة، ثم أكمل مجلس الجنوب أعمال البناء الباقية. وبعد حرب تمّوز، أعادت الحكومة القطرية ترميم المستشفى وتجهيزه بأحدث الآلات والمعدّات الطبية.