ضمن الفترة الممتدة بين نهاية شهر حزيران وبداية شهر تموز، تتهافت الأيدي البقاعية على قطاف عناقيد الحصرم، ليس فقط لتناولها مع الملح، بل لإعداد مونة شتوية تخزّن حامض الصيف الطبيعي في زجاجات. ويعتبر تحضير «ماء الحصرم» وتصنيعه في المطبخ الريفي من البديهيات، وخاصة أن ربات المنازل يستعملنه في العديد من الطبخات (اليبرق والكبة حيلة بحصرم وشوربة العدس، والعدس بحامض) والسلطات. إحداهن، سارة حمية من بلدة طاريا، تعلمت من والدتها تحضير وتصنيع «ماء الحصرم» الذي «يحتاج إلى دقة وخبرة وإلا يفسد طعمه». تكون البداية بقطف عناقيد الحصرم التي «امتلأت حباتها» تماماً، والتي تُجمّع في آنية كبيرة حيث تُنظّف من العيدان والشوائب ومن ثم غسلها جيداً بالماء مع رش كمية محددة من الملح عليه، لتأتي من بعدها مرحلة العصر، سواء باستعمال «المحادل»، أو من خلال دق الحبات أو العناقيد جيداً بواسطة «مدقة الكبة» الخشبية أو حجرة صوانية بحجم كف اليد، إلى أن يترسب العصير شيئاً فشيئاً في قعر الآنية المستخدمة. وترى حمية أن تنظيف ماء الحصرم من الشوائب ضروري، حيث يُسكَب العصير المترسب من آنية إلى أخرى، مع استعمال قطعة قماشية بيضاء ونظيفة (شاش أبيض) لمنع تسرب القش وبذار الحبات، وليترك من بعدها ماء الحصرم لمدة ساعة أو ساعتين حتى يركد العكر في القاع». أما مرحلة التصنيع فتختلف الآراء بشأنها بين النسوة. فمنهن من يقدم على «غلي بسيط لماء الحصرم قبل تعبئته»، ومنهن من يعمد إلى «تعبئته مباشرة بعد تصفيته بقوارير زجاجية نظيفة مع وضع قليل من زيت الزيتون فوقه لمنع تعفنه»، بينما يعمدن جميعاً إلى سد فتحاتها بإحكام كي لا يتسرب إليها الهواء فيفسدها.
وتكاد الموائد في القرى والبلدات البقاعية لا تخلو من «ماء الحصرم»، بالنظر إلى استعماله رئيسياً في العديد من أنواع الأطعمة. الحاجة زينب الديراني تحضر وتصنع أيضاً «ماء الحصرم»، وتعتبره من «أساسيات المونة البقاعية»، الذي لا يمكن الاستغناء عنها، «لأنه عصير طبيعي 100%»، فهو يُستعمل بديلاً من المواد الصناعية التي تنتجها المعامل وخاصّةً ملح الليمون، لإعداد مختلف أنواع السلطات والطبخات الريفية الشائعة مذاقاً طيباً. ويُعتَبر حصرم الدوالي المزروعة أمام المنازل الأفضل لإنتاج ماء الحصرم لأنها تكون مروية وتحتوي على كمية عصير أكثر من حصرم الدوالي المزروعة في الكروم، والتي تنمو «بعلياً» أي من دون ريّ. تجدر الإشارة إلى أن البعض لا يستخدم ماء الحصرم في الطبخ فقط، بل أيضاً لمعالجة الرشح والزكام في الشتاء، وذلك «بعد خلطه مع الثوم المدقوق والملح».
ر.ح.