جوان فرشخ بجاليإنها احتفالات رأس السنة بالنسبة إلى أبناء طائفة الصابئة في العراق. فالذين لا يزالون يسكنون في بغداد، يتوجهون اليوم، كما خلال اليومين الماضيين، بثيابهم البيضاء إلى ضفاف دجلة ليطهروا أجسادهم وأرواحهم وعقولهم بمياه النهر. كانوا 100 ألف في العراق في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، ولهم نائب في البرلمان باعتبارهم أقلية، لكن الوفيات في حروب العراق المتتالية على وعمليات التطهير الطائفي التي تعرفها بغداد والهجرة الواسعة أدت إلى انحسار الطائفة. فعددهم في أرجاء العراق لا يتجاوز 20 ألفاً. واحتفالات هذه السنة إنما كانت تذكيراً بتضاؤل عدد أفراد الطائفة.
الشيخ علاء عزيز، نائب رئيس هذه الطائفة يشعر بالحزن، وهو يرى قلة من أبناء ملته جاؤوا بلباسهم الأبيض للغطس ثلاث مرات في مياه نهر دجلة في حيّ الجادرية (وسط بغداد)، بحسب مراسل الميدل إيست أونلاين: «من قبل كان الحشد يتدافع من الفجر إلى الغروب في هذا المكان. لكن اليوم، بُعيد الظهر، لم يعد هناك أحد. الجميع يهاجرون لأن عدداً كبيراً من أعضاء طائفتنا قتلوا أو سرقوا أو تلقوا تهديدات من أفراد القاعدة وميليشيات أخرى أو عصابات».
والصابئة، المعروفون أيضاً باسم المندائيين، يتكلمون في طقوسهم لغتهم الخاصة بهم التي تعود جذورها إلى اللغة الآرامية، ويعدون آدم نبيهم ويقدّسون يوحنا المعمدان. أصل ديانتهم يعود إلى ما قبل المسيحية، فبعض الباحثين يعدونهم بمثابة مذهب انشق عن الديانة اليهودية وانتشر أبناؤه في فلسطين وبلاد الرافدين. فمقر هذه الطائفة الأم هو في بغداد حيث شيد المعبد في حيّ الجادرية ويتميز بسقفه الذي يرفع عليه صليب مغطى بقماش أبيض رمز النقاء. ويتميز أبناء هذه الطائفة بأنهم لا يقومون بأي عمليات تبشيرية، فالانتماء إلى الطائفة إنما يكون بالولادة.
تدوم احتفالات رأس السنة لمدة ثلاثة أيام، وهي الفترة التي دام خلالها خلق العالم. وتتركز هذه الديانة المسالمة على خمسة أركان هي التوحيد، أي الاعتراف بالحي العظيم الذي خلق الكون، التعميد وهو من واجبات الصابئة ويهدف إلى الخلاص والتوبة وغسل الذنوب. ولأن قيام الديانة بدأ في بلاد الرافدين، يصبح التعمّد في نهري دجلة والفرات من مقومات الديانة. وثالث الأركان هو الصلاة ثلاث مرات يومياً للتقرب من الخالق، وهناك أيضاً الصيام الذي يكمن في الامتناع عن الفواحش والمحرمات التي تبعد الإنسان عن خالقه. وآخر أركان الديانة هو الصدقة التي تكون بمساعدة الإنسان أخيه الإنسان بسرية تامة، فإعطاء الجائعين والعراة من الواجبات.
الصابئة يتميزون بعلاقاتهم المسالمة مع جيرانهم، وهذا ما ضمن وجودهم في العراق حتى اليوم. حتى إن الحكومات العراقية كانت تتفاخر بوجودهم برهاناً على تسامحها واحترامها للأقليات. هذه الديانة ولدت في العراق، وحياتها ومبادئها تدور حول دجلة والفرات، لكن الهجرة باتت تهدد وجودها الذي زاد على الفي سنة. فأبناؤها اليوم يعيشون بين أوستراليا وإيران والسويد وهولندا والمانيا، على أمل العودة إلى بغداد.