عمر نشّابةقال أمس السيّد حسن نصر الله إن رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري أعلمه بمضمون القرار الظني المنتظر للمحكمة الدولية. وأضاف الأمين العام لحزب الله، الذي تتمتّع تصريحاته بصدقية يعترف بها حتى الإسرائيليون، أن الحريري أعلمه بأن المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال والده ستتّهم «أفراداً غير منضبطين في حزب الله» بالضلوع في الجريمة.
إن الالتزام بالمعايير المهنية والأخلاقية في مجال العدالة الجنائية يستدعي طرح سلسلة من الأسئلة قد يحوّلها المحققون في لاهاي إلى استجوابات إذا أرادوا تحديد طبيعة العلاقة المحتملة بين الضالعين في الجريمة والمسؤولين عن توظيفها سياسياً.
من هي الجهة التي أعلمت الحريري بمضمون القرار الدولي؟ جهة محلية «مطّلعة»؟ فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي الذي يُعدّ الجهاز الأمني والاستخباري الأقرب إليه؟ أم سياسيون من فريقه على تواصل مع جهات دولية؟ أم جهة دولية؟ رؤساء ووزراء دول غربية؟ سفراء معتمدون في لبنان؟ مسؤولون في الأمم المتحدة؟ مسؤولون في المحكمة الدولية؟ أم جهة إقليمية و\أو عربية؟
لا شك في أن الجهة التي تواصل معها الحريري لتكوين معرفته بمضمون القرار الظني هي إما الجهة المعنية بتكوين ملفّ التحقيق الدولي، وإما هي جهة مطّلعة عليه ويستدعي ذلك فتح مكتب المدّعي العام الدولي دانيال بلمار تحقيقاً يكشف المتورّطين ودوافعهم. لكن هناك احتمال ثالث وهو أن تكون الجهة التي أعلمت الحريري بمضمون قرار المحكمة هي جهة محلية أو دولية مضلّلة، تدّعي المعرفة. ويستدعي ذلك تحرّكاً سريعاً للرئيس الحريري إذا أراد تصحيح الأمور.
وبينما هناك سؤال يُطرح في السياسة عن كيفية تقويم الحريري مبادرته بعرض الأمر على السيّد نصر الله، فإن معرفة رئيس الحكومة بمضمون التحقيقات السرّية يستدعي أيضاً التساؤل عن مدى اطّلاع آخرين على ذلك المضمون، وخصوصاً الضالعين فعلاً بالجريمة الإرهابية.
الحريري سرّب ما سُرّب إليه. القضية إذاً هي قضية تسريب خلاصة تحقيقات يُفترض أن تكون سرّية. أمام بلمار خياران صعبان: إما أن يُعلن صراحة عدم معرفة الحريري بمضمون القرار الظني، وبذلك ينزع عنه الصدقية ويجعله يبدو ناقصاً للنضوج السياسي وللمسؤولية الأخلاقية، وإما أن يفتح تحقيقاً قضائياً ليستمع إلى عشرات المقرّبين من الحريري ويراقب اتصالاته وتحرّكاته السابقة ليتمكن من تحديد مصادر التسريب. وإذا لزم بلمار الصمت، فقد يتبادر إلى أذهان الكثيرين أنه هو المسؤول عن التسريبات، ويستدعي ذلك شكوى إلى مجلس الأمن من أدائه المشبوه.