لم يكد أهالي بعض قرى غربي بعلبك يطمئنون إلى انتهاء مشكلة تلوّث مياه اليمونة، حتى برزت تعديات المزارعين على شبكة مياه الشفة بهدف الري. المشكلة قديمة وتكاد تتكرر في كل المناطق، لكنّ «خصوصية» المنطقة يبدو أنّها تحتاج إلى سلطة استخبارات الجيش
البقاع ــ رامح حمية
لم يستطع علي الطفيلي، ابن بلدة شمسطار، على مدى الخمسة عشر يوماً الماضية ملء أكثر من «كم سطل وطنجرة، لإنو المي كانت خفيفة كتير وما ممكن تطلع ع الخزان». يؤكد الطفيلي الذي كان يسير ملازماً بسيارته سير أحد صهاريج بيع المياه إلى نبع حوش باي، أنه يحتاج إلى «نقلة مي» بـ 35 ألف ليرة كل ثلاثة أيام، إضافة إلى مرافقة صاحب الصهريج «كي لا يضيع دوره».
هذه بعض ملامح المعاناة التي يعيشها أهالي البلدة هذه الأيام نتيجة انقطاع مياه اليمونة عنهم.
المشكلة ليست جديدة. فأزمة الانقطاع الحاد في مياه الشرب تتكرر عند بداية شهر تموز من كل عام، بسبب تحويل القسم الأكبر منها لري المزروعات في بعض القرى.
مضى شهر واحد تقريباً على انقطاع المياه ولا من ينقذ أبناء قرى شمسطار وطاريا والنبي رشادة وحدث بعلبك وكفردان وقرى بيت مشيك من «فاتورة صيفية لم تكن في الحسبان»، وتكاد تشبه «فاتورة المازوت شتاءً»، كما يقول حسن زعيتر الذي حمّل مؤسسة مياه البقاع والقوى الأمنية المسؤولية عن التعديات على الشبكة.
أما محمد حمية، ابن بلدة طاريا، فيستغرب «التجاهل الرسمي والأمني وعدم البت السريع بالتعدي على المياه الخاصة بالشرب»، مشيراً إلى أنّ الفاتورة التي يدفعها مقابل صهريج مياه كل يومين، تتداخل مع متطلبات أخرى، ولا سيما «أنّ شهر رمضان بات على الأبواب».
وحسب ما يتردد هنا، فإن التعدّي على مياه اليمونة يبدأ ببلدة دار الواسعة بأكثر من 20 طاقة (مهرب للمياه)، ثم تُعطى لمزارعي التبغ في بلدتي بوداي وفلاوي، وبسعر يتراوح بين 100 و200 ألف ليرة للساعة الواحدة، وتوفّر من أربع فتحات في قسطل الضخ الرئيسي لمياه اليمونة، الذي يغذّي القرى بدءاً من كفردان ومزارع بيت مشيك وصولاً إلى طاريا وشمسطار.
لكنّ مصدراً في مؤسسة مياه البقاع ينفي ما يشاع عن «سرقة المياه في بوداي وفلاوي وإعطائها لمزارعي التبغ» بالقول «إنّ الأمر لا يعدو وجود أربعة ثقوب كبيرة في القسطل الخاص بضخ مياه الشفة (اثنان منها في بلدة بوداي واثنان في فلاوي)، يستغلها المزارعون»، موضحاً أن سبب هذه الثقوب يعود إلى «اهتراء في القسطل». ويكشف أن المؤسسة «عجزت طوال الأشهر الماضية عن إصلاح العطل «بطريقة اللحام»». ويرى «أن المعالجة الجذرية تتطلب مبلغاً مالياً يتجاوز 4 آلاف دولار، وهو قطعاً غير متوافر في المؤسسة»، مستطرداً، «إذا سكورة المي عم نستجدي البلديات حتى تشتريها لنا، بدّك تدفع المؤسسة 4 آلاف دولار؟».
وعلى الرغم من أنّ المصدر لم يعترف بالتعديات، إلّا أنّه لم يستبعد حل المشكلة خلال شهر واحد، «لإنو بعد في بس عدانين مي (نوبتين) للأراضي المزروعة بالتبغ». مصدر مسؤول آخر في المؤسسة يعترف لـ«الأخبار» بأنّ «إصلاح الأعطال تأخر نتيجة خطأ في المعاملات الإدارية، وبأنها ستُصلح خلال فترة زمنية لا يمكن تحديدها حالياً!».
وفي تطوّر لافت، عقد رؤساء بلديات طاريا وشمسطار وبوداي اجتماعاً، بهدف تدارك تداعيات التعديات على مياه الشفة ومعالجتها، بحضور المدير العام لمؤسسة مياه البقاع مارون مسلم ومهندسين من المؤسسة، وممثّلين عن استخبارات الجيش اللبناني التي أوكل إليها مراقبة مقاسم المياه، وبحث المجتمعون الطرق المعتمدة في توزيع المياه بين قرى غربي بعلبك.
ويلفت رئيس بلدية شمسطار سهيل الحاج حسن إلى أنه اتُّفق على جدول يومي لتوزيع المياه على القرى، سينفّذ ابتداءً من اليوم لمدة أسبوع كامل، وعلى إقفال خط 12 إنشاً وتحويله إلى خط 16 إنشاً، على أن يتولى موظفو المؤسسة وعناصر من استخبارات الجيش مراقبة المقاسم والفتحات، سواء عند شلال دار الواسعة (24/24 ساعة)، أو عند الفتحات على الطرقات ومداخل البلدات.
كذلك توافق المشاركون في الاجتماع على إعطاء الأولوية لمياه الشفة قبل الري، بتخصيص يوم واحد للري، وباقي أيام الأسبوع للشفة.
على صعيد آخر، يشير الحاج حسن إلى أن «الناس رح تطلع من ثيابها بفعل الفاتورة المرتفعة التي يدفعونها كل يومين، وإذا لم ينجح هذا البرنامج، فلا أحد يحق له أن يلوم الناس الذين سينزلون إلى الشارع وسيقطعون الطرقات العامة»، سائلاً: «لماذا لا يُعمل جدّياً على قطع فتيل الأزمة!».
لكنّ رئيس بلدية طاريا مهدي حمية يرى أن «البرنامج المتفق عليه شبيه إلى حد كبير بالبرامج السابقة»، مشدداً على أن الأمور لن تسلك طريقها الصحيح إلا بالمعالجة التي تتضافر فيها كل الجهود من القوى الأمنية والجهات الفاعلة في المنطقة، سواء الحزبية أو العشائرية، لمعالجة مشكلة التعدي على مياه اليمونة «بطريقة جذرية»، والعمل فوراً على إعطاء الأولوية لمياه الشرب، ومن ثم للمزروعات، مؤكداً «أنهم لا يهدفون في مطالبتهم هذه إلى قطع أرزاق المزارعين في القرى الأخرى، ولكن نريد أن نشرب فقط».


مياه الصهاريج