يحتل الحديث عن مجريات الأشهر القادمة حيزاً واسعاً من اهتمام اللبنانيين، سياسيين وغير ذلك. أمس، أتت زيارة الرئيس السوري والملك السعودي، لتوسع دائرة الحديث عن الأحداث المقبلة. التوتر مختبىء، لكن تأجيل مواطنين لبعض النشاطات يخبر عنه
محمد محسن
لا يبدو أن المثل الشعبي القائل «هالخد معوّد عا هاللطم» يؤتي ثماره في هذه الفترة، إذ إن تسارع الأحداث السياسية أخيراً، أنهك هذا «الخد» كثيراً، ووضع المواطنين في حال توتر جديدة، بدأت تنعكس تغييرات في بعض مشاريعهم التي ينوون القيام بها. لم يصل الأمر إلى حدود بدء التموين أو البحث عن بيوت بديلة في «مناطق آمنة». لكن، في الحد الأدنى، ثمّة من بدأ يحتاط مبكراً، عبر تأجيل كل الاستحقاقات المالية إلى ما بعد شهر أيلول، بعدما يظهر خيط الأزمة الأبيض من خيطها الأسود. القرار الظني للمحكمة الدولية، زيارة الرؤساء العرب العاجلة والمفاجئة للبنان، وربطاً بهذين الحدثين، الحرب التي تتوعد بها إسرائيل دائماً، كلّها عناوين لمضمون واحد: المواطن اللبناني خائف من الأيام الآتية.
للتوتر في لبنان نكهة مختلفة عن التوتر في باقي أنحاء العالم. فهو ليس جسماً غريباً يمر كغمامة الصيف فوق يوميات اللبنانيّين، بل يظلّلهم دائماً. هو مقنّع هذه المرّة، وقناعه هو الرغبة في استمرار حال الاستقرار النسبي التي عاشها لبنان في السنتين الماضيتين. أمس، وصل إلى بيروت الرئيس السوري والملك السعودي معاً. هل يرى اللبنانيون أن في أيدي زائريهما ما يهدئ خوفهم في ما يتعلق بمسألة المحكمة الدولية وتداعيات قرارها الاتهامي؟ هل تحمل الزيارة معها ما يطمئنهم بالنسبة إلى الفتنة التي يُحكى عنها، أم أن الزيارة مجرد حقنة مخدّرة تؤجل المشكلة إلى وقت لاحق؟ يبدو أن المواطن متوتر، وخصوصاً أن السياسيين في لبنان على اختلاف خنادقهم، يبشّرونه بمشكلة آتية، بغض النظر عن شكل هذه المشكلة.
«لو لم يكن الوضع خطيراً لما حضر الرؤساء والملوك دفعةً واحدة»، يقول مروان كحيل، سائق سيارة أجرة. فهو يرى أن الوضع في لبنان مقبل على أزمة كبيرة، ولهذه الأزمة تداعياتها. لكن قبل التداعيات، بدأ مروان بتأجيل بعض الخطوات التي تشجّع على القيام بها، كشراء سيارة جديدة بالتقسيط للعمل عليها بدلاً من سيارته القديمة. تسأل عن أي حرب يتحدّث، فيجيبك بلغة الواثق: «لا حرب أهلية. إسرائيل هي التي ستشن الحرب، وستستغل اتهام المقاومة باغتيال الحريري». أمّا زيارة الزعماء العرب فهي «بتهدّي الجو شوي، ويمكن تأجيل المشكلة، بس مش لوقت طويل، الوضع بيخوف» يقول.
حال الترقب لا تميز بين منطقة وأخرى. في بيروت وضواحيها، المجهول الآتي يؤرّق مواطنين كثراً. «زيارة الرؤساء العرب تطمئنني وتخيفني» يقول خالد حلّاق. جواب ضبابي يستدعي أن يشرحه بنفسه «الزيارة مطمئنة؛ لأن السعودية وسوريا تبدوان متفقتين، وهو ما يريح لبنان عملياً. أما الخوف، فهو لأنها تشير إلى أن حرباً إسرائيلية يُخَطَّط لها، وسمعت هذا في وسائل الإعلام».
«أشعر كأني أشاهد مسلسلاً قصته: كيف سيخرج سعد الحريري من نفق المحكمة الدولية. لا يبدو أن نهاية المسلسل ستكون سعيدة كما تختم المسلسلات العربية قصصها». الشعور ليس لسياسي مناهض لتيار المستقبل، أو لمحلل سياسي غربي. ببساطة، هذا ما تشعر به امرأة كانت تشتري الخضار لبيتها. سعاد عقل، ربة منزل تسكن في حي المصيطبة ببيروت، تتوجس من أشهر صعبة آتية على لبنان. «أجّلنا نفض البيت وشراء أثاث جديد. لا نعرف كيف ستنتهي هذه الأزمة. زيارة الرؤساء تبرّد الأجواء، لكن ما الضمانات بأنها ستمنع الحرب الإسرائيلية المقبلة؟ هل يستطيعان ذلك أصلاً؟ لا أعتقد»، تقول عقل.
يذهب علي حجازي في آرائه أبعد من حدود الأزمة: «الحرب واقعة، لكن المشكلة في توقيتها. فلتحصل ولنرتح منها؛ فالتوتر الذي يسببه الحديث عنها، أبشع منها». لكنّه، رغم «شوقه» إلى حرب ستشنها إسرائيل، يعوّل كثيراً على زيارة الملك السعودي والرئيس السوري وأمير قطر، فهي برأيه «حتماً ستخفف التوتر بنسبة عالية في لبنان، فالدول الثلاث لها مصالح هنا، ويهمها الحفاظ عليها»، كما يقول.
آرسين كسارجيان صرّاف عتيق في شارع الحمرا. يشير إلى أن «الموسم السياحي فرط بعد الكلام عن المحكمة. لا زبائن خليجيين كما وعدنا أنفسنا. في العام الماضي كان الوضع أفضل بكثير». في رأي كسارجيان التشاؤم من حرب جديدة هو الأقوى، لكنّه يستدرك: «معوّدين عهالأجواء، الاتكال على الله ما فينا نعمل شي».
نجح بول بستاني في امتحانات الثانوية العامة، لكن سفره إلى الخارج لإكمال دراسته تعطّل، ولو مؤقتاً. فوالده بانتظار أن «يمر شهر أيلول بسلام، وإلا فليس أمامي سوى متابعة الدراسة في لبنان». هكذا، يعبّر بول عن طلاب كثيرين تحول الأوضاع السياسية وبالتالي الاقتصادية بينهم وبين إكمال تحصيلهم العلمي خارج لبنان. أما مبررات والده فهي كما ينقلها بول عن لسانه «الوضع صعب، ويمكن في حرب. خلّينا نوفر كم قرش، والعلم بلبنان منيح يا بابا».
موجة التوتر توسّعت إلى المغتربين، وحتى السيّاح. هذا ما يؤكده بلال حاج، سائق التاكسي الذي خسر «عائلتين من السياح الخليجيين، سألوني عن الأوضاع السياسية في لبنان قبل أن يأتوا إلى لبنان، وحين بدأ الحديث عن الحرب والفتنة عزفوا عن المجيء وضاع الرزق».
في المحصّلة، ثمّة ما هو أبعد من التوتر. قد تكون صفحات موقع الفايسبوك هي التي تعبّر عنه. اللبنانيون يشعرون بالخذلان من زعمائهم. لكنهم يعيّر بعضهم بعضاً بالمرض ذاته. فسوريا التي أقسم تيار المستقبل في فلاشاته التلفزيونية إنّها لن تعود، عادت. أما السعودية التي اتهمتها أطراف لبنانية بدعم عدوان تموز، فأصبح ملكها صِمام أمان يمنع الفتنة!


الهادئون قلّة

في مقابل المتوترين الكثر بين المواطنين اللبنانيين في المرحلة الراهنة، ثمّة من هو مطمئن، أو في الحد الأدنى مستسلم لتوتره. «أكثر من اللي صار بحرب تموز شو حيصير؟»، يسأل بائع الخضار محمد شحرور، ويجيب بنفسه: «لا شيء. لا أطراف للحرب الأهلية، وإسرائيل تحسب مليون حساب للمقاومة، ولو استطاعت لشنّت الحرب ولما انتظرت أيلول أو قرار المحمكة». وبهذا المستوى من الطمأنينة، تتحدث كوليت شويري أيضاً. تطمئنها زيارة الزعماء العرب بهذا الزخم. تستبعد كوليت حدوث أي حرب، فـ«التوتر مرض لبناني مزمن عند كل حدث، والحرب لا يحدد أحد مواعيدها، هكذا تعوّدنا، شو عدا ما بدا؟!».