رنا حايكعلى باب مسرح جمعيّة الشابات المسيحيات في عين المريسة، يقف شاب فارع الطول ملفّحاً بالسواد. «مين إنت؟»، يجيب: «أنا اللي بقول اكتمل العدد، يلا ولّع!». جوّ من المرح يلفّ المسرح، وحميمية لا تفسد للحزم قضية تسود علاقة معلمة المسرح في الثانوية الإنجيلية الوطنية، سمر قطّان، بتلامذتها الذين درّبتهم شهوراً طويلة لإنجاز مسرحية «جحيمي هو الآخر» التي ستُفتَتح غداً الجمعة، في عرضٍ أول مخصَّص لزملاء الطلاب في المدرسة، يليه عرضان يومي السبت والأحد للأهل والأصدقاء.
قد يبدو العنوان «السارتري» فضفاضاً على 45 طالباً، ولو كانوا من المرحلتين المتوسطة والثانوية، لكن قطان مؤمنة بإمكان إخراج الطاقات الكامنة في تلامذة على عتبة سن الرّشد إذا ما أُحسِنَ التخاطب معهم. هذا الإيمان، اضطرّها إلى إهمال الدكتوراه التي تعدّها في المسرح العلاجي طوال الأشهر الماضية، لكن «حماسة القسيس حبيب بدر، مدير الثانوية، وتعاون جمعية الشابات المسيحيات التي قدمت لنا المسرح مجاناً، أمدّاني بالطاقة الكافية لإنجاز كل شيء، بدءاً من تدريب الطلاب وتأمين انتقالهم من المسرح وإليه، وصولاً إلى طبع البطاقات»، كما تقول، مضيفة «المسرح ضروري في المدرسة لأن من شأنه تحفيز التلامذة وتأمين التواصل معهم. فكل منهم شريك في هذه المسرحية التي أنجزوها بأنفسهم من ألفها إلى يائها، من نص وتمثيل وديكورات، حتى الجانب التقني منها مثل الإضاءة والموسيقى». هكذا، رمت قطّان الطعم لتلامذتها، حين طرحت أمامهم جملة سارتر للنقاش، داعية كلاً منهم إلى سرد مظهر اجتماعي يزعجهم. «كان هناك كمّ هائل من الأفكار، ناقشناها ثم تولّيت أمر ترتيبها في سياق روائي» كما تشرح قطان. في المحصلة، خرج من بين أيدي التلامذة ومعلمتهم عمل دافئ، مكتمل البنية السردية، تخلّله الكثير من خفة الظّل والمشاهد الطريفة التي كسرت من حدة مشاهد أخرى قاتمة. في لعبة فلسفية تحاكي مرجعية عنوان العمل، اختلطت الأدوار بين ممثل ومشاهد، توزّع بعض الممثلين في القاعة بين الحضور، وعلى الخشبة، وقفت مخرجة تحاول إنجاز مسرحية. «مسرحية في مسرحية» تداول فيها الممثلون أدوار الجلاد والضحية، برمزية. كلهم كانوا حاضرين: ملك الجحيم، المرأة الفيلسوفة والشاعرة، ونماذج بشرية تشبه شخصيات روايات نجيب محفوظ في التباس أوضاعها: هل من أجبرتها حاضنتها على ممارسة الدعارة خاطئة؟ هل مَن تخلّصت من جنينها بسبب تهديد والدها مجرمة؟ هل الفتاة التي تركت منزلها بسبب الشجار المستمر لوالديها والتحقت بالـ«الإيموز» متفلتة؟
في مشاهد متلاحقة، سرد الطلاب آفات مجتمعهم: المرأة التي تستجدي إدخال طفلها إلى المستشفى لإجراء عملية لا تمتلك تسديد تكاليفها، في مقابل أخرى تجري عمليات التجميل واحدة تلو الأخرى، الزواج عن مصلحة، سوء معاملة الخادمات الأجنبيات في المنازل، تعسّف أصحاب العمل، الغش في التجارة، تعاطي المخدرات، الحرب والأسلحة، حتى القضايا البيئية حاضرة.
في تلك المشاهد، كانت الفيلسوفة تبرّر أمام ملك الجحيم خطايا بعض من دفعتهم أخطاء الآخرين إلى ارتكاب الخطيئة، إلى أن حوكمت هي في النهاية لأن ثقافتها خلقت هوّة بينها وبين محيطها. أما الخلاصة، فكانت أنه «لا جحيم ولا نعيم في المطلق، بل إن كلاً منا قد يكون جحيم الآخر أو نعيمه».
ولكن، وبما أن «كل من يقوم بعمل جديد يُحارَب»، فقد تلقت المخرجة، سهام انتقادات بعض الأهالي الذين اتهموها بأنها تحضّ أبناءهم على ارتكاب المعاصي، فيما «أحاول أن أبيّن لهم أسباب هذه الظواهر حتى يتفادوها».


تيك تاك توك

من المحكوم عليهم بالجحيم طفلان «قتّل كلٌ منهما الآخر بالمدرسة». ينتمي أحدهما إلى حزب الـ«تيك تاك توك» الذي «لونه بنيّ» والآخر إلى حزب الـ«شيك شاك شوك» الذي لونه بنفسجي. بعد أن يشحن والدا كل طرف منهما ابنه ضد ابن الطرف الآخر، بوصفه «ما منطيقن ولا منتعاطى معن، دِينَيُهن طوال وما بعرف كيف الله خلقن»، يتعاركان في مشهد من مسرحية «جحيمي هو الآخر» يتدخّل فيه كل أبناء الحي، ويؤديه التلامذة ببراعة وبخفة ظل لا تقاوَم.
على الشرفات، تدور وصلة من «الردح» هي غاية في الطرافة بين جارات تغني إحداها للأخرى من حزب مناهض: «نحنا والقرد جيران»، بينما تستقبل الأخرى جارة من الحزب نفسه بعبارة «أهلا وسهلا بجارتنا من حزبنا»، فيما يتنازل الآباء في الساحة متبارين بأسلحتهم.