ترافق إطلاق إسرائيل رهائن «أسطول الحرّية» مع حملة إعلامية صهيونية دولية تبرّر «شرعية» ما قام به الجيش الإسرائيلي في عرض البحر و«تأسف» لوقوع ضحايا، بينما يقتضي تحقيق العدل تحرّكاً حقوقياً منظّماً وفورياً
عمر نشّابة
إن الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل بحقّ أسطول الحرّية، رغم فداحتها، ليست إلا جزءاً بسيطاً من سلسلة ممارسات جرمية إسرائيلية مستمرّة بحقّ فلسطين ومن يناصرها. وكما يفترض أن يلاحق عدلياً مرتكبو الجرائم مهما كان حجمها، يفترض مقاضاة السلطات الإسرائيلية المسؤولة عن المجزرة التي وقعت في عرض البحر.
إن الجوانب الأساسية التي يفترض الارتكاز عليها لتكوين الملفّ القضائي تتضمّن:
1- تحديد دوافع الناشطين الحقوقيين الذين كانوا على متن السفن الست، وخصوصاً أولئك الذين كانوا على متن السفينة التركية «مارمرا» التي وقعت على متنها أبرز الجرائم. ووضع دراسة تشير الى خلفية المنظّمين والمشاركين والمموّلين وإلى تفاصيل مرحلة التحضير لانطلاق «أسطول الحرية». فالهدف من تلك الدراسة هو إثبات النية وتوضيحها. هل كانت هناك نية للتصادم مع الإسرائيليين؟ أم اقتصر الهدف على إيصال المساعدات الإنسانية الى غزّة؟
2- تحديد دوافع السلطات العسكرية والسياسية الإسرائيلية المسؤولة عن تحريك وإدارة عمليات قوة الكوماندوس البحرية التي حطّت على متن السفن. إذ إن تلك السلطات كانت تعلم بقدوم السفن الست، وكانت قد جمعت معلومات مفصلة عن ركابها وأهدافهم وعن مضمون حمولتها وكميتها. ويمكن إضافة خلفية موثقة لكيفية تعامل السلطات الإسرائيلية مع السفن التي حاولت سابقاً إيصال المساعدات الإنسانية الى قطاع غزّة. هل كانت لدى الإسرائيليين خطّة مسبقة لتتعامل مع «أسطول الحرية» مبنية ربما على التجارب السابقة؟ وهنا السؤال المركزي من الناحية القضائية: هل كان بإمكان الإسرائيليين تجنّب سفك الدماء؟ وإذا كان ذلك صحيحاً، فلماذا لم يتجنّبوا سفك الدماء؟
القانون الدولي يمنع احتجاز سفينة أو احتباسها ما عدا الدولة صاحبة العلَم المرفوع عليها
3- توثيق دقيق لما حدث فجر يوم الاثنين أي تحديد الموقع الجغرافي لوقوع الجرائم بواسطة بيانات الرادارات والـ«GPS»، وتحديد التوقيت الدقيق لكلّ ما جرى من خلال سؤال أكبر عدد ممكن من الناشطين. كما ينبغي وصف تفاصيل الأفعال وتدعيمه بالإثباتات وضم جميع أشرطة التسجيل الصوتي والمرئي وتدوين الشهادات بدقة والتأكد من صحّتها. فهل وقعت الجرائم في «أعالي البحار» (المياه الدولية) أم في «المنطقة المتاخمة» (24 ميلاً بحرياً من خطوط الأساس التي يقاس منها عرض البحر الإقليمي)؟ وهل استمرّت الجرائم بعد سحب السفن الى داخل المياه الإقليمية؟
4- تشريح جثث الشهداء التسعة ووضع تقارير طبية شرعية مفصلة تساعد على تحديد توقيت الوفاة وظروفها. أي هل جرح البعض وتركوا لينزفوا حتى الموت؟ هل رميت بعض جثث الشهداء في البحر؟ هل أصيبوا في الرأس وأعلى الجسد، وعن مسافة قريبة؟ وما هي الأسلحة التي استخدمت؟
5- مقابلة وفحص الجرحى ووضع تقارير طبية شرعية مفصّلة تصف إصابتهم وتوقيتها الدقيق. كيف ومتى أصيبوا؟ هل أصيب البعض بعد انتهاء عملية القرصنة المسلّحة؟ ومن هم بالتحديد الأشخاص الذين أصابوهم (وصف دقيق للوجه والعلامات الفارقة)؟
6- توثيق وتسجيل شهادات قباطنة السفن الست، إذ إن كلّاً منهم هو بمثابة الضابط العدلي على متن سفينته. وتحديد مكان وجود كلّ من الـ700 ناشط خلال وقوع الجرائم. ووضع جدول زمني مفصّل للرسائل التي أرسلتها القوات الإسرائيلية والردود عليها.
7- مراجعة القوانين والمعاهدات الدولية ذات الصلة، وأبرزها «اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار»: http://www.un.org/Depts/los/convention_agreements/texts/unclos/unclos_a.pdf إذ تنصّ الفقرة الثالثة من المادة 97 على: «لا تصدر أي سلطات غير سلطات دولة العلم (العلم المرفوع على السفينة) أمراً باحتجاز سفينة أو احتباسها، حتى لو كان ذلك على ذمّة التحقيق».
8- عقد اجتماعات مغلقة لقانونيين رسميين وناشطين حقوقيين من الدول التي شارك رعاياها في الأسطول ومسؤولين عن هيئات حقوقية غير حكومية لتحديد الآليات الدولية والمحاكم التي سيتمّ اللجوء إليها لتحقيق العدالة: المحكمة الجنائية الدولية؟ محكمة دولية خاصّة؟ محكمة العدل الدولية؟ وتأمين الميزانية اللازمة وتعيين الوكلاء القانونيين.
أخيراً، يفترض الإسراع في اتخاذ الإجراءات المذكورة آنفاً وذلك للأسباب الآتية: الإسراع في دفن الشهداء التسعة، وزوال بعض الآثار الحسية للجروح التي أصيب بها الناشطون على متن السفن، وتشوّش الذاكرة ونسيان التفاصيل وتأثير الإعلام على استعادة الوقائع، وإيقاع الضرر غير المقصود بالأدلة الحسّية (contamination of the evidence)، وخطر التسويات السياسية الدولية، في ظلّ الضغط الأميركي الداعم لإسرائيل.


محامي تجمّع اللجان والروابط الشعبيّة

لم تكن هي المرّة الأولى التي يصطدم فيها المحامي هاني سليمان بالقوات العسكرية الإسرائيلية. فخلال تاريخه النضالي في صفوف تجمّع اللجان والروابط الشعبية، الى جانب رفاقه الذين استشهد منهم عصام اليسير ومحمد الصيداني وغيرهم من المقاومين، اصطدم سليمان بالجيش الإسرائيلي مرّات عدّة، كان آخرها أثناء وجوده على متن «سفينة الإخوة»، العام الفائت، التي اختطفها الجيش الإسرائيلي واقتيدت الى ميناء أسدود. تعارك يومها المحامي مع الجنود وكان إلى جانبه الإعلاميون الزملاء: سلام خضر (قناة الجزيرة)، أوغاريت دندش ومازن ماجد (تلفزيون الجديد). في صفوف التجمّع عدد من المحامين، على رأسهم سليمان وخليل بركات يعملون حالياً على تجميع الملف القضائي لمحاسبة الإسرائيليين على جرائمهم المتراكمة.


تقصير

لا بد من الإشارة الى تقصير الهيئات المنظّمة لـ«أسطول الحرية» الذي يفترض معالجته. ومن أبرز دلائل التقصير:
- عدم إعلان أسماء الشهداء (بعد إعلام عائلاتهم) والذين عرف منهم أخيراً الأبطال: علي أكبر ياراضيلميش وعلي حيدر بينجي وإبراهيم بلجين ومحرم كافاك. إذ يفترض نشر سيرة هؤلاء ولمحة عن بيئتهم والخلفية العقائدية التي دفعتهم الى التضحية بحياتهم في سبيل فلسطين.
- عدم وجود غرفة عمليات موحّدة لإدارة المبادرة الإنسانية والتعامل مع الهجوم العسكري والإعلامي والسياسي الإسرائيلي والأميركي.
- عجز لافت في تنسيق التحرّكات الشعبية المساندة لـ«أسطول الحرية» في مختلف أنحاء العالم.
- التركيز على ردّ فعل تركيا من دون الالتفات الى الدول الأخرى التي ضمّ الأسطول رعاياها.