في يومهم الأول بعد «معركة» أسطول الحرية، يروي أعضاء البعثة اللبنانية بعض فصول رحلة كسر حصار غزّة. من تركيا، ينقل الناشط نبيل حلّاق الصورة: تعبئة لفلسطين في 81 مدينة، وتوقّع وصول سفينتين إلى غزّة قريباً
محمد محسن
لم تتّسع الغرفة 929 في مستشفى الجامعة الأميركية، أمس، لأساطيل المهنئين بالعودة، والمطمئنين إلى صحّة رئيس البعثة اللبنانية في «أسطول الحرية» الدكتور هاني سليمان. طريق الغرفة محاصرة بالورود، أمّا سليمان فلم يستطع فكّ حصار المتحلّقين حوله. يلومه أحد أصدقائه على عدم اصطحابه معه في الرحلة، فيأتي الجواب سريعاً من سليمان «إنت بالرحلة التالتة إن شاء الله». وحين يسأل أحد الجالسين زوجة سليمان ممازحاً: هل ستقبلون مشاركة الدكتور في رحلة جديدة يا مدام، تجيب بسؤال آخر «ليش الدكتور بيستأذن حدا قبل ما يشارك بالرحلة؟».
يستلقي سليمان في سرير المستشفى، لكنّ عزيمته ونبرة صوته لا توحيان أنّه مصاب بالرصاص. رصاصتان لم تكسرا قدمه، أطلقتهما إحدى مروحيات الإنزال الإسرائيلي على السفينة التركيّة. أثناء وجوده في مستشفىً بفلسطين المحتلة، لم يقل لأسرته إنه مصاب بالرصاص، هوّن الأمر، وقال إنه مصاب بشظيتين صغيرتين.
مع مرور كل 10 دقائق، يستعد لتكرار الإجابة عن أمور كثيرة تهمّ زوّاره: كيف حدث الإنزال؟ هل ضربت الجنود الإسرائيليين كما فعلت أثناء مشاركتك في سفينة الأخوّة؟ يجيب سليمان باقتضاب: «لا أريد اصطناع بطولات، لم تكن مهمّتنا مواجهة الجنود. الأتراك أدرى بهذه المهمّة، إذ إنهم يعرفون تفاصيل سفينتهم ومفاصلها. كانوا شرسين جداً مع الإسرائيليين». لكنّ جدلاً يحدث في فترة ما بعد الظهر. فبين مؤيّد لإلقائه كلمة البعثة اللبنانية اليوم خلال المهرجان الذي ينظّمه «حزب الله»، ومعارض خوفاً على وضعه الصحيّ، يحسم اتصال الموقف: سيتولّى الحزب نقل سليمان إلى ملعب الراية، وإعادته إلى المستشفى. يبدو سليمان سعيداً بما فعله الناشطون، يترحّم على الشهداء، وحين تسأله عن مشاركته في سفينة ثالثة يجيبك «بعد بكّير لنحكي بالموضوع».
من جانبه، يبدو حسين شكر سعيداً بما حقّقته الرحلة. يبتعد كثيراً عن الأمور الشخصية، مبدياً افتخاره بما حقّقه النشطاء: «لقد فتحنا الحديث رسمياً عن بدء نهاية حصار قطاع غزّة». أمام الإسرائيليين، لم يكن شكر ليّناً. إجاباته كما يقول «صادمة، بالرغم من أنّهم يسألون عن كل شيء». لم يوقّع وكل اللبنانيين على وثيقة يتعهّد من خلالها بعدم الرجوع إلى فلسطين المحتلة، متذرّعاً بأنه لا يعرف الكتابة، ما أثار تذمّر المحققين، ودفع أحدهم إلى عرض تسجيلات لكل أحاديث شكر التلفزيونية قبل الإبحار نحو غزة قائلاً له «صوتك كان يضل ملعلع. إنت بتعرف تكتب». أمّا الناشط نبيل حلّاق، فقد عاد إلى تركيا لأهداف عديدة: أوّلها المشاركة في تشييع شهداء الأسطول، وثانيها التنسيق مع السفارة الإيرلندية لمعرفة مصير ناشط إيرلندي لم يعد حتى الآن. استمر التحقيق الإسرائيلي مع حلّاق 3 ساعات ونصف الساعة، لكنّه يؤكد في اتصال مع «الأخبار» أن «الإسرائيلي لم يأخذ أي اعتراف. كانوا يشعرون بالعجز أمام الناشطين. لم يملكوا شيئاً لكنّهم قاوموا أسطولاً بشراسة». وبالعودة إلى لحظة «المعركة»، يشير حلّاق إلى أن الناشطين كانوا يتوقعون إنزالاً إسرائيلياً ،«لكننا توقعنا أن يحدث ذلك صباحاً، لا في ساعات منتصف الليل». يصف هجوم جنود الاحتلال: «استشرسوا علينا كأنّهم يقاتلون أسطولاً مدجّجاً بالأسلحة». على متن السفينة، جهد الناشطون في حماية الشيخ رائد صلاح والمطران هيلاريون كبوشي اللذين «تعرّضا لمحاولة هجوم من الجنود الإسرائيليين»، كما يقول حلّاق. يستذكر لحظات إنسانية على متن السفينة: صلاة مشتركة بين صلاح وكبوشي. مشاركون من 40 دولة لكن بروح واحدة «هدفهم واحد وهو كسر الحصار»، يقول حلّاق. ويروي قصّة حدثت في مطار بن غوريون، أول من أمس، أثناء عودة الناشطين إلى بلدانهم، حيث جرى تضارب بينهم وبين جنود الاحتلال، بعدما رموا بناشط أميركي أرضاً، «وكانوا قد ضربوه أثناء التحقيقات. ليس صحيحاً أنهم تعاملوا بهدوء معنا. لقد استعملوا القوة والضرب مع بعض الناشطين، ويُحكى أن شهداء آخرين رماهم الجنود في البحر».