دخل عناصر من فوج الإطفاء منزل جانيت دلّالي في وطى المصيطبة. أرادوا إخماد الحريقٍ لكنها كانت قد فارقت الحياة. بدأوا بإخماد ما كان مشتعلاً ونقلوا جثّتها الى المستشفى
رضوان مرتضى
أسباب الحريق أُعيدت الى مسّ كهربائي حاصل، ورُجّح أن جانيت قد قضت اختناقاً، فبدأت التحقيقات الأولية استناداً الى هذه الفرضية. انتقل عناصر من الأدلة الجنائية الى منزل الضحية لإجراء الكشف وجمع الأدلة. وفي الوقت نفسه، كان الطبيب الشرعي يجري الكشف الأولي على الجثّة في المستشفى.
أظهر الكشف الخارجي للطبيب الشرعي على الجثّة أن هناك جريمة قتل، وقد اعتمد في ترجيحه على الكدمات الظاهرة على وجه جانيت وجسدها. وبناءً على المعطيات الأولية، طلب الطبيب قوّاس من المدعي العام الإذن بالكشف الداخلي عبر تشريح الجثّة لتأكيد سبب الوفاة. وبالفعل، أظهرت عملية التشريح وجود كسر في غضروف الحنجرة، الأمر الذي يجزم فرضية القتل. كما بيّن الكشف الداخلي وجود كسور عديدة في أضلاع القفص الصدري الأمامية والخلفية، بالإضافة الى وجود كدمات عديدة في الوجه والأطراف الأربعة. أما في ما يتعلّق بفرضية اختناق جانيت بفعل دخان الحريق، فقد نفاها تقرير الطبيب الشرعي الذي بيّن أنّه «لا وجود لأي أثر للسخام داخل القصبات الهوائية»، لاغياً بذلك احتمال الموت خنقاً بدخان الحريق. (السخام يظهر في حال تنشّق الضحية دخان الحريق قبل وفاته). كذلك استخرج الطبيب الشرعي عيّنات شعر من تحت أظافر يدي الضحية ومن على وجهها، وأرسلها لإخضاعها لفحص الحمض النووي لتحديد مصدرها.
فرضية القتل التي أظهرها تشريح الجثّة، أكّدها عناصر الأدلة الجنائية الذين أجروا كشفاً حسيّاً على مسرح الجريمة. وقد تبيّن لهم ذلك من الخراب والفوضى التي كانت تعمّ المنزل.
طلب القاضي جوزف معماري من فصيلة المصيطبة التوسع بالتحقيق، فبدأ عناصرها عملية تجميع الخيوط لتحديد هويّة المتورّطين بالجريمة. وقد علمت «الأخبار» من مسؤول متابع للتحقيق أنه تم وضع عدة فرضيات للجريمة، كاحتمال القتل بقصد السرقة أو قيام أحد أقربائها بقتلها بهدف الوراثة، كما أنهم لم يستبعدوا دوافع القتل لأسباب شخصية. لكن القائمين على التحقيق اصطدموا بعقبة عدد الأشخاص الكبير الذين تعرفهم جانيت، إذ إن الأخيرة

خنقها القاتل بيديه حتى كسر غضروف حنجرتها

تعمل اختصاصية تجميل والذين يقصدون منزلها كُثر. رغم ذلك، تمكّن القائمون بالتحقيق من حصر عدد المشتبه فيهم بـ15 شخصاً. أقرباء جانيت وجيرانها وأصدقاؤها، هم ضمن المجتمع الضيّق المحيط بها. بدأ التحقيق مع هؤلاء، لكن دون الوصول الى أي جديد. أما في ما يتعلّق بفحوص الحمض النووي، فقد ظهرت النتائج منذ نحو 10 أيام، لكنها جاءت سلبية. مرّت أربعة أشهر دون حصول أي تقدم يُذكر، والملف اليوم موجود لدى القاضي مارون أبو جودة.
جانيت امرأة مسنّة، تخطّت الستين من عمرها. كانت تعيش وحيدة في منزلها الكائن في وطى المصيطبة. هي لم تتزوّج، لأنها اختارت أن تُربّي أبناء شقيقها، المتوفّى، الذين غادروا لبنان الى فرنسا عندما شبّوا. رفضت السفر لأنها تكره الغربة. بقيت لتعمل في مجال التجميل النسائي الذي ساعدها كي تُعيل نفسها. يحكي الجيران قصصاً عديدة عنها، يقولون إنها كانت تُحب فعل الخير وقد ساعدت كثيرين منهم. كذلك يذكر أحدهم أنها ساهمت في تزويج شابّ قصدها طلباً للمال. لقد كرهت جانيت الراحة في الغربة وأحبّت شقاء العمل في وطنها، لكنها لم تهنأ بذلك كثيراً، فقد تسلّل القاتل تحت جنح الظلام ليخطف روحها. لم يعبأ بعجزها. انهال عليها بالضرب حتى أفقدها وعيها. أشعل حريقاً في المنزل ومضى. فهل يبقى المجرم حُرّاً طليقاً، فيما يرقد جسد فاعلة الخير جانيت تحت التراب.