ربى أبو عمّومجرد لعبة. في ورشة العمل تلك. الهدف توعية الشباب ضدّ الأحكام المسبقة. على الشباب الحاضرين أن يجيبوا عن أسئلة صادمة مستوحاة من السائد الاجتماعي. من يلبس «السترينغ»، المسلم أم المسيحي؟ المسيحي، كان الجواب بالإجماع. ماذا عن الألوان غير المتناسقة، من يرتديها؟ المسلم. من يتباهى بلغته الفرنسية؟ المسيحي طبعاً، بينما جاهل اللغات مسلم في الغالب.
تنتهي اللعبة وتظهر الحقيقة بعدما تمّت تعرية أفكار مسبقة هي بمثابة عجوز عمره من عمر الحروب الطائفية التي ألمّت بلبنان، وفشل الزمن في طمرها. ليست اللعبة حكراً على ورشة العمل تلك. فهي تدور كل يوم ألف مرة بين مواطني البلد الواحد. منهم سحر وكاريل. كانت تفصلهما طاولة مستطيلة في أحد مطاعم العاصمة. التقابل قد يعني المواجهة. سألتها كاريل بصيغة الجمع: «بتنزلوا عالبحر بـ«المايو»، وبتحطوا حجاب؟». ضحكت سحر، المحجبة، في سرّها، قبل أن تشرح لها بديهيات الحجاب في الإسلام.
الآخر يعني الغير، وقد يكون الضد في بعض الأحيان. تجهل كاريل الآخر. تقول إنها تتقبّل المسلم، ولكن... تصمت. أما فراس، الذي لم يكن يوماً شيعياً قبل أن تذكّره بيئة «الشرقية» بشيعيته، فيتكلّم. هو يحب النبيذ، إلا أن صديقاً له في العمل اتهمه بـ«التمثيل علينا كي نتقبله».
أما كونه شيعياً، فهذا يحتم عليه أن يكون ملمّاً بشؤون المسلمين في العالم، ويحوّله إلى ناطق باسم «حزب الله»، وأحياناً «مسؤولاً عن أفعاله»، كما يروي.
وتقابل «عقدة التفوق» التي يتحدث عنها فراس «عقدة نقص» لدى المسلم تجاه المسيحي. عقدة يحوّلها الأول أحياناً إلى أسباب للانقضاض على الثاني: المسيحيون متفلّتون من الأخلاق، يتناولون الكحول كثيراً. ترتدي فتياتهن أثواباً قصيرة. لا يتكلمون العربية، ونادراً ما يطلقون على أبنائهم أسماءً عربية. حتى اليوم، لا يزال بعض المسيحيين لا يعرفون بيروت، فيما يشعر بعض المسلمين بالغربة في جونية. عليكِ العوض يا بلد...