هي من المرات القليلة التي يكسر فيها ملف في الجامعة اللبنانية قاعدة «التوازن الطائفي» الذي بات عرفاً في كل مواقع الجامعة. ومع ذلك، لم يسلم 340 أستاذاً دخلوا ملاك الجامعة بشروطهم الأكاديمية من لعنة المحاصصة
فاتن الحاج
إذا كان أهل الجامعة اللبنانية قد سلّموا بالمحاصصة الطائفية التي كرستها السلطة السياسية في تعيينات العمداء والمديرين باعتبارها تعيينات إدارية، فإنّ ما يصرّ عليه هؤلاء هو هامش التحرك، ولا سيما في ملفات التفرغ والدخول في الملاك والترفيع الأكاديمي، لكونها لا تعدو ملفات أكاديمية يجب أن تخضع فقط لمعايير الحاجة والاختصاص.
لكن ما حصل هو أنّ قرار مجلس الوزراء الأخير الذي أدخل 340 أستاذاً جديداً في ملاك الجامعة (تعيين 311 متعاقداً متفرغاً ونقل 29 أستاذاً من ملاك وزارة التربية) أعاد فتح الحديث عن التوازن الطائفي الذي لم يراعَ في هذا الملف (65% مسلمون و35% مسيحيون). ومن هذا المنطلق سجّل التيار الوطني الحر تحفظه على المراسيم، من دون أن تكون في نيته إيقافها، كما يقول لـ«الأخبار» د. حنا الحاج، منسق لجنة الدراسات وعضو هيئة الأساتذة الجامعيين في التيار. ويشرح «الموقف الذي سجّله وزراؤنا بأنّه ينسجم مع تطلعاتنا، ولو كان على حسابنا، باعتبار أنّ المراسيم تشمل أساتذة من التيار». يبدو الحاج مقتنعاً بالمعادلة الآتية: «إما أن تكون مراعاة الطوائف والمحاصصة في كل المواقع، أو لا تكون على أساس إرساء نظام علماني والعمل جدياً على وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، فلا تكون هناك استنسابية على حساب الطائفة المسيحية المغبونة». لكن ماذا لو لم يتحقق التوازن الطائفي في بعض الملفات؟ هل من المنطقي ربط مصير أساتذة مستحقين بحجة التوازن، وهو ما حدث عملياً في قرار التفرغ الأخير؟
هنا، يرفض الحاج الكلام على أنّ عدد المسيحيين أقل من عدد المسلمين، متسائلاً: «ألا يجب أن نتأكد أنّ هؤلاء مستحقون؟ أليست اللعبة السياسية نفسها هي التي أوقفت دخولهم في المرة الماضية؟ ثم لماذا يهرب بعض الأساتذة المسيحيين من الجامعة؟».
ومع ذلك، بدت مستغرَبة إثارة الضجة بشأن ملف مرّ بكل القنوات الأكاديمية وأُشبع درساً طوال 11 سنة، فيما البعض ينتظره منذ 16 سنة لعدم شمولهم في قرار الملاك السابق في عام 1999 الذي ضم 410 أساتذة. بل أكثر من ذلك، فقد علمت «الأخبار» أنّ وزير التربية حسن منيمنة سعى هذه المرة إلى الحصول على موافقة كل الطوائف المسيحية لمزيد من الاطمئنان وضمان إمرار الملف من دون عرقلة، وربما كان ذلك من الأسباب التي أسهمت في تأخير صدور القرار.
ويجزم د. حميد الحكم، رئيس الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية، بأنّ قرار مجلس الوزراء لم يستثن أي أستاذ مستوفٍ للشروط الأكاديمية إلى أي طائفة أو مذهب انتمى، وكذلك لم يدرج اسم أي أستاذ من الأساتذة الذين شملهم قرار التفرغ في أيار 2008. بناءً على ذلك، يكون هؤلاء وعددهم 686 أستاذاً هم المرشحين الوحيدين حتى الآن لدخول الملاك في المرة المقبلة. ويقول الحكم إنّ دراسة ملفات الملاك كانت قد شارفت على النهاية حين صدر قرار التفرغ، وبالتالي فإنّ ربط الملفين معاً كان سيظلم المنتظرين منذ أكثر من 10 سنوات. هكذا، يرى الحكم أنّ الداخلين الجدد في الملاك نالوا حقهم المكتسب من دون منّة من أحد.

حصل وزير التربية على مباركة الطوائف المسيحية قبل إقرار الملاك
وبما أنّه ليس هناك نص قانوني واضح ملزم بتفريغ الأساتذة بعد انقضاء مدة معينة على دخولهم الجامعة، يجدد الحكم المطالبة بوضع آلية مستمرة لتفريغ أساتذة جدد في ضوء الكفاءَة والحاجة، لا على أساس المحاصصات غير الأكاديمية. ويرفض رئيس الرابطة أخذ أستاذ بجريرة آخر وتعطيل استقراره الوظيفي مراعاة للتوازن، على الأقل في الملفات الأكاديمية، و«إن كنا في التعيينات الإدارية نتفهّم مراعاة الواقع الديموغرافي والاجتماعي، مع إصرارنا على تطبيق القانون 66 الذي ينص على الأخذ بترشيحات الفروع ومجالس الوحدات».
يبدو هذا الكلام مثالياً، على الأقل إذا ما قارناه بما حصل في أيار 2008 حين كان إخراج القيد هو المعيار بدلاً من الشهادة والكفاءة الأكاديمية. يومها، أُعدّ قرار التفرغ في أدراج وزارة التربية ضارباً عرض الحائط بكل تطلعات أهل الجامعة، ولا سيما إسقاط أسماء 86 أستاذاً كانت جريمتهم أنّهم من غير أهل الحظوة سياسياً وطائفياً. هؤلاء ينتظرون اليوم الملف السياسي لتعيين العمداء لاستعادة حقهم المسلوب.