دعوى حزب الله على المجلة الألمانيّةكان لمقال إيريك فولاذ في مجلة «دير شبيغل» (عدد 23 أيار 2009) وقع مدوّ في لبنان والعالم من خلال إشارته إلى «اكتشاف خطير» دلّت عليه «مصادر المحكمة» (الدولية الخاصة بلبنان) و«وثائق داخلية»، مفاده أن منفذ جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري هو «قوة لبنانية خاصة تابعة لتنظيم حزب الله». وقد رأى الحزب ذلك تجنّياً عليه وعلى سمعته، فلجأ إلى القضاء
تقدم وكلاء حزب الله القانونيون إلى النيابة العامة في بيروت بدعوى على مجلة «دير شبيغل» الألمانية وعلى كلّ من يظهره التحقيق فاعلاً أو شريكاً أو متدخلاً أو محرّضاً بجرم إثارة الفتن والتحريض والافتراء والقدح والذم والكذب واختلاق جرائم.
كذلك ادّعى الحزب على إيريك فولاذ Erich Follath كاتب المقال الذي نشر في عدد 23 أيار من المجلة. وطلب استدعاء شهود من فريق التحقيق الدولي التابع لمكتب المدعي العام الدولي دانيال بلمار.
يذكر أن المكتب الإعلامي للمحكمة الخاصة بلبنان رفض التعليق، ورفض نفي صحة ما ورد في دير شبيغل أو تأكيده.
تجنّ في «تحديد الوقائع»
بتاريخ 23/5/2009 تصدرت الصفحة الأولى لـ«دير شبيغل» بالخط العريض: «أدلة جديدة تشير الى تورّط حزب الله في اغتيال الحريري، بقلم الكاتب إيريك فولاذ» (مترجم الى العربية). قدّمت المجلّة في الصفحة الأولى من المقال ملخصاً لمجرى التحقيق، بدءاً بالمحقق الألماني ديتليف ميليس وانتهاءً بإطلاق سراح الضباط الأربعة (اللواءين جميل السيد وعلي الحاج والعميدين ريمون عازار ومصطفى حمدان)، مروراً بتعيين الكندي دانيال بلمار رئيساً للجنة التحقيق ومدعياً عاماً بعد ذلك. وفي الفقرة الثانية من الصفحة الثانية، تحت عنوان «نتائج جديدة ومفاجئة» ورد الآتي: «علمت دير شبيغل من مصادر مقربة من المحكمة وموثقة عبر مقارنتها بالوثائق الداخلية، أن قضية الحريري على وشك الدخول في اكتشاف خطير. فالتحقيقات المكثفة في لبنان تشير الى نتائج جديدة: ليست سوريا، بل المنفذ هو قوة لبنانية خاصة تابعة لتنظيم حزب الله، خططت ونفذت هذه العملية».
وتابع إيريك فولاذ النصّ المشتبه فيه في دير شبيغل، ذاكراً «حلقة ثانية» هي عبارة عن 20 هاتفاً كانت قريبة من هواتف «حلقة أولى» وأضاف حرفياً «بحسب قوى الأمن اللبنانية، فإن كل الأرقام تابعة كما يبدو للذراع التنفيذي في حزب الله». ويشير المقال الى أن «الارتباط العاطفي» لأحد مستخدمي الهواتف دلّ المحققين على هويته إثر إجرائه اتصالاً من أحد الهواتف المعتمدة بصديقته، وأن هذا الشخص لبناني من الجنوب وينتمي الى حزب الله، وكان قد أنهى دورة تدريبية في إيران وأنه اختفى «وقد لا يكون على قيد الحياة».
ويقول فولاذ إن «التهوّر» أوصل المحققين الى «العقل المدبّر للعملية» وهو أيضاً لبناني من الجنوب و«قائد الجناح العسكري في حزب الله» وأن وحدة العمليات الخاصة السرية التي يقودها «تتبع مباشرة للأمين العام لحزب الله».
ومن «أهم الاكتشافات»، بحسب فولاذ، أن التحقيقات الدولية «توصلت الى أن أحد أعضاء حزب الله حصل على سيارة الميتسوبيشي التي استخدمت في العملية». أما في ما خصّ الجرائم الأخرى فتحدثت «دير شبيغل» عن «دليل على تورّط وحدة كوماندوس تابعة لحزب الله في عشرات الهجمات الأخرى التي استهدفت عدداً من الشخصيات اللبنانية في السنوات الأربع الأخيرة».

... وفي «تحديد الدوافع»

حدّد إيريك فولاذ دوافع حزب الله لارتكاب الجريمة بـ«تصاعد شعبيّة الحريري»، الذي أزعج الأمين العام لحزب الله، ما مثّل «شوكة في خاصرة» هذا الأمين العام. وأضاف فولاذ إن «الحريري يمثّل كل ما كان يكرهه حزب الله المتشدّد والمتعصب، فقد كانت لديه علاقات وطيدة مع الغرب ومكانة مرموقة بين رؤساء الدول العربية المعتدلة وينتمي إلى الطائفة الإسلامية المنافسة، وبهذا، فقد كان الحريري بشكل ما مزاحماً لنصر الله».
وأفاد كاتب مقال دير شبيغل، مستبقاً القرار الاتهامي الرسمي، أن المعلومات الأخيرة عن مخططي اغتيال الحريري المزعومين «ستؤذي على الأرجح حزب الله». وذكّر بأن الحزب «لا يزال على قائمة الولايات المتحدة للمنظمات الإرهابية».

اعتبارات الدعوى القضائية

رأى محامو حزب الله أن الجرائم المنشورة في المجلة الألمانية المدعى عليها تتناول حزباً سياسياً مقاوماً لبنانياً وشخصيات لبنانية، وبالتالي فإن المحاكم اللبنانية هي صاحبة الصلاحية.
وبما أن الجريمة المروّعة التي طالت الرئيس رفيق الحريري أُسست لها محكمة دولية خاصة، وأن التحقيقات الأولية والاستنطاقية تبقى سرية للغاية وغير قابلة للنشر، وبما أن المعنيين بملف اغتيال الحريري هم فريق عمل التحقيق الدولي، وحيث يُحتمل أن يكونوا هم من سرّبوا المعلومات التي نشرت، رأى وكلاء حزب الله أن على القضاء المختصّ أن يستمع الى شهادات أعضاء فريق التحقيق الدولي. فمن شأن تلك الشهادات أن تساعد التحقيق ليبنى على الشيء مقتضاه.
وأدلى المحامون بجملة من الملاحظات، أهمها:
أولاً، إن العنوان العريض المنشور في دير شبيغل يتهم حزب الله بكل وضوح وصراحة بجريمة اغتيال الرئيس الحريري،
وهي جريمة يعاقب عليها وفقاً للمادة 549 من قانون العقوبات اللبناني بالإعدام (الفقرة 7: القتل بـ«استعمال المواد المتفجرة»).
ثانياً، رأى المحامون أنه لا يمكن وسيلةً إعلامية، مهما كان موقعها، أن تتناول موضوعاً في مثل هذه الأهمية، له مفاعيله وارتداداته على الساحة اللبنانية والإقليمية والدولية، وأن ترمي التهم جزافاً.
ثالثاً، ذكّر المحامون بأن هذه التهمة المنشورة للرأي العام والقضاء تمثّل «اختلاق الجرائم والافتراء»، وذكّر بالفقرة الأخيرة من المادة 403 من قانون العقوبات اللبناني: «إذا أفضى الافتراء إلى حكم بالإعدام أو بعقوبة مؤبّدة، فلا تنقص عقوبة الأشغال الشاقة عن عشر سنوات، ويمكن إبلاغها الى خمس عشرة سنة».
رابعاً، إن المدعى عليهم يؤكدون أن التحقيق أسفر عن نتائج جديدة، وأن مصادره مقربة من المحكمة وموثقة عبر مقارنتها بالوثائق الداخلية، بينما يفترض وفقاً لأبجدية التحقيق الأولي والاستنطاقي في لبنان ووفقاً لنظام المحكمة الخاصة بلبنان، أن تبقى التحقيقات الأولية سرية الى حين صدور مضبطة الاتهام.
ويسأل الوكلاء القانونيون لحزب الله: مَن الصادق؟ فرق التحقيق برئاسة بلمار؟ أم المدّعى عليهم؟
خامساً، إن المدعى عليهم قدّموا للرأي العام إخراجاً تفصيلياً للوقائع من ألفها الى يائها حول الجريمة وأهدافها ونتائجها، محدّدين أسماءً وعناوين لا تخطر ببال عاقل. إن ذكر الأسماء يهدف الى إعطاء الصدقيّة لما نشر وإرباك الرأي العام وإلصاق التهمة بحزب الله والمقاومة.
سادساً، إن هذا الإخراج لا يثير الشك فقط، بل يؤكد سوء النية والتلاعب بمسار التحقيق والمحاكمة وفقاً للعبة مدبّرة منذ اغتيال الرئيس الحريري واستغلال كل نقطة دم.
سابعاً، إن المدعى عليهم أضافوا على افتراءاتهم وجرائمهم واتهاماتهم وكذبهم اختلاق وقائع بقصد الفتنة وتضييع الحقيقة، وألصقوا جرائم اغتيال العشرات من الشخصيات اللبنانية بـ«كوماندوس تابعة لحزب الله»، ما يؤدي إلى التحريض واختلاق الفتن والدسائس على الساحة اللبنانية.
ثامناً، إن الخبث وسوء النية والافتراء وخلق الفتن المذهبية ثابتة لا تحتاج الى التمحيص للتدليل عليها، فهم طرحوا السؤال وأجابوا عنه بقولهم إن «شعبية الحريري المتصاعدة شوكة في خاصرة قائد الشيعة في لبنان حسن نصر الله».

إن المدّعى عليهم قدّموا إلى الرأي العام إخراجاً تفصيلياً للوقائع عن الجريمة وأهدافها ونتائجها، محدّدين أسماءً وعناوين لا تخطر في بال عاقل

رأى محامو حزب الله أن دير شبيغل تتناول حزباً لبنانياً وشخصيات لبنانية، لذا فإن المحاكم اللبنانية هي صاحبة الصلاحية

المدّعى عليهم يؤكدون أن التحقيق أسفر عن نتائج جديدة، وأن مصادره مقرّبة من المحكمة وموثّقة عبر مقارنتها بالوثائق الداخلية

ويتابع الوكلاء القانونيون: «القاصي والداني، بل العالم أجمع، يعلم علم اليقين كم كانت العلاقة ممتازة بين كل من الشهيد الرئيس الحريري وسماحة السيد حسن نصر الله، وقد عبّر عنها من شهدوا على ذلك من الإعلاميين والأصدقاء المشتركين ومن المقربين، وخاصة عائلة الشهيد الرئيس الحريري».
تاسعاً، إن المدعى عليهم وصلوا بخلق الافتراءات والأكاذيب الى «النتيجة التي يحلمون بها، وهي الاقتتال الأهلي بين اللبنانيين» فهم يثبتون ذلك من خلال مسلسل معدّ ومطبق سلفاً لجهة الاغتيال والتحقيق والنتائج والتخطيط والاغتيال والاتهام، وأخيراً الاقتتال الأهلي اللبناني.
عاشراً، إن المدعى عليهم تبنّوا المنطق الصهيوني الأميركي بوصف حزب الله بالمنظمة الإرهابية.

في توصيف حزب الله

لكن، يبقى السؤال: علامَ يدلّ هذا الكلام والوصف السيئ وإلامَ يهدف؟
لن يجيب المحامون عن ذلك، بل يتركون الأمر للقضاء اللبناني الذي تُنتظر عدالته عبر كشفه الحقيقة.
غير أن توصيف حزب الله بالميليشيا وفقاً لمنطق العدو الإسرائيلي ومن يقف وراءه، رآه المحامون بحد ذاته «جريمة قدح وذم وإهانة لحزب الله»، واعتباره دولة داخل دولة «ما هو إلا اختلاق لوقائع كاذبة من نسج خيال المدّعى عليهم. فحزب الله جزء لا يتجزأ من النظام اللبناني ومن مؤسساته السياسية والحزبية، وله ممثلون في الحكومة والمجلس النيابي، فكيف يكون دولة ضمن دولة؟».
إن الوقائع والحيثيات القانونية التي وردت في نصّ الدعوى التي تقدّم بها وكلاء حزب الله تستدعي التحقيق والاستماع إلى الشهود المشار إليهم لمعرفة حقيقة ما ورد في مقال المدّعى عليهم لأن الأمر يمثّل «طعناً فاضحاً في العدالة الدولية المرجو والمؤمّل منها على كل أوجه، سواء كانت الوقائع مسربة أو غير صحيحة».
إن فريق التحقيق يتمتع بصلاحيات واسعة وبحوزته ملفات ووثائق التحقيق، ما يستدعي الاستماع الى شهادة المحققين لما فيها من فائدة التحقيق، وذلك لإبراز الحقيقة ولدفع الفتنة المراد تحقيقها والحد من التدخلات ووقف الافتراءات المتلاحقة و«المتطابقة من وسائل إعلام مشبوهة تهدف الى الفتنة».
أخيراً اتخذ حزب الله صفة الادعاء طالباً:
1- استجواب المدعى عليهم وتوقيفهم ومحاكمتهم وفقاً لنص المواد 217 و218 و385 و317 و386 و403 من قانون العقوبات اللبناني، واستماع الشهود من فريق التحقيق الدولي.
2- اتخاذ قرار معجل التنفيذ بمنع المجلة المذكوره أعلاه في لبنان لما تبثه من فتن وتحريض.
3- إلزام المدعى عليهم نشر الحكم الذي سيصدر بحقهم وفقاً للأصول.
4- إلزامهم بدفع العطل والضرر الذي نترك تقديره للقضاء.
5- تدريك المدعى عليهم كل الرسوم والمصاريف وأتعاب المحاماة.
(الأخبار)


من المفتري... المحقّق أم الصحافي؟ الاحتمال الأول: دير شبيغل (المدّعى عليها) مفترية على «حزب الله» وركّبت سيناريو شبه متكامل بهدف خلق فتنة في لبنان والتشويش على المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وبالتالي فقدت صدقيّتها وموضوعيّتها.
الاحتمال الثاني: سرّبت المعلومات من قبل فريق التحقيق الدولي. وجرى إطلاع أشخاص لا علاقة لهم بالتحقيق وليسوا جزءاً من هيئة قضائية بوثائق داخلية سرّية تتضمن تفاصيل التحقيق. وبالتالي خالف محقّقون أبسط وأهمّ قواعد التحقيق، ما يسقط التحقيقات التي قاموا بها والتي لن تظهر نتائجها إلا عند صدور القرار الاتهامي.
وفي الاحتمالين يفترض البحث عن الأسباب والدوافع. ويفترض كذلك تحديد من يقف وراء الأفعال الجرمية التي ارتكبت من خلال ما نشر في دير شبيغل في 23 أيار 2009.