روبير عبد اللهمن الشائع أن يستقدم الأثرياء عاملات للخدمة المنزلية، بل يكاد يصبح شائعاً أن تقوم فئات أخرى أقل حظاً مادياً بذلك، في «خصلة» لبنانية سيئة لاستكمال عدّة «البرستيج» فيستهلك حب الظهور ميزانيتهم على حساب المهمّ. لكن، بين هذا وذاك، يحدث أن يضطر أحدهم، لظروف استثنائية، إلى استخدام خادمة منزلية، بالرغم من ضيق إمكاناته، وبالرغم أيضاً من عدم اكتراثه لسخافات المظاهر الاجتماعية اللبنانية ووجاهاتها. كأن تُتوفّى الزوجة أو الزوج، فيعجز الآخر عن تدبير شؤون منزله وأطفاله، إلى جانب ضغوط أنواع معيّنة من الأعمال. أمّا ما كان يشاع عن تبادل «العونة» بين الأهل والأقارب، فقد أصبح حتى في القرى في خبر كان.
طلب عادي لإستقدام خادمة يؤسس لزبون «لقطة»
تتعدّد مثل هذه الظروف، لتصبح ظاهرة اجتماعية تستحق الدراسة. مستخدِم فقير هو مستخدَم بدوره، وفقير كالمستخدَم أيضاً. وهو لذلك قليل الحيلة بفنون مكاتب الاستخدام وألاعيب أصحابها. لدى دخول أحدهم واحداً من تلك المكاتب، يظهر للتوّ أنه زبون «لقطة»، مستعجل ومضطر. وفي التجارة والأعمال، العجلة والضرورة أمُّ الخسارة. يتلقّفه صاحب المكتب، المتمرّس، ممهّداً لحيلته بـ«أهلاً بك، لكن عليك بالصبر قليلاً، لأنّ معاملات دخول العاملات الأجنبية ازدادت تعقيداً». ويطول الشرح، ليقنعه بأنّ تحقيق طلبه سوف يستغرق شهوراً، وبعد طول الانتظار قد تكون النتيجة رفض الطلب. يهمّ الزبون بالخروج بعد يأسه من إمكان حل مشكلته الطارئة والمستعجلة. في هذه اللحظة، يطرح صاحب المكتب اقتراحه العظيم قائلاً: «سأساعدك على حل مشكلتك، هناك خادمة جاهزة، مجرّبة و«شطّورة»، ولكن عليك أن تدفع ألف دولار علاوة على الكلفة التقليدية لإتمام المعاملة». لماذ؟ كيف؟ وما السبب؟ لا يسأل المستعجل. وبعد توقيع الاتفاق، يضيف صاحب المكتب نصيحة «لا بأس في تقديم طلب عادي، ربما تنجح المحاولة، وتوفّر المبلغ على نفسك».
أيام قليلة، بعد أن ينهي الزبون معاملات المستخدَمة «الجاهزة»، يستدعيه صاحب المكتب متعجّباً «للصدفة الغريبة، فقد سلك طلبك العادي طريقه بسرعة لم نتوقّعها، ولكن من فضلك نريد منك أن تتنازل عن خادمتك، فأنت بالطبع لا تحتاج إلى استخدام اثنتين». بالطبع لا أحد يعيد إليك الألف دولار، ومن ناحية أخرى، هناك دائماً زبون آخر بحاجة إلى خادمة «جاهزة». وهكذا دواليك: طلب عادي لاستقدام خادمة، يؤسّس لاحقاً لزبون «لقطة» مضطرّ ومستعجل. وفي الواقع، الحكاية كلّها من تأليف صاحب المكتب، يتقاضى من خلالها مبالغ إضافية لقاء تأمين خادمات للزبائن، ولكن بالتوالي، بحيث يستكمل كل واحد الطلب المقدم ممّن سبقه، تحت شعار تأمين خادمة «جاهزة»، بتنازل مقدّم طلب الاستخدام في المرة السابقة.