تسعى إدارة محميّة شاطئ صور الطبيعية، بالتعاون مع عدد من الناشطين، إلى تحويل السهل الساحلي لبلدة دير قانون رأس العين إلى محمية زراعية تُحيي العادات الغذائية والمعيشيّة المندثرة، وتحمي المزروعات من المبيدات السامّة
صور ــ آمال خليل
يمتدّ السهل الساحلي لبلدة دير قانون رأس العين في محاذاة محمية شاطئ صور الطبيعية، جنوبي مدينة صور. هناك، يختلف لون المشهد مع الانتقال من القسم السياحي للمحمية، أي الشاطئ، إلى الآخر العلمي، وهو محيط أخضر تماماً لا تخترقه سوى برك رأس العين الأثرية والبركة الاصطناعية، التي استحدثتها إدارة المحمية في عام 2003 بهدف جذب أنواع من الحيوانات البرمائية والطيور. حوالى مليون متر مربّع من الحقول الزراعية تمتد بمحاذاة الشاطئ البحري، وتستفيد من وفرة ينابيع المياه العذبة الفوّارة، التي تغذّي برك رأس العين وسهلها وكل أنحاء السهل الساحلي جنوبي صور، وصولاً إلى بلدات القضاء.
في ذلك السهل، يُعتَمد «القياس الموحّد» في زراعة الحقول، لناحية طول المزروعات وأحجامها. فقد تعاون الناشطون البيئيون في المنطقة مع إدارة المحمية لمنع المزارعين من تغيير الهوية الزراعية للسهل، من خلال حثّهم على الحفاظ على زراعة الأشجار المثمرة والموز، كما هي الحال في الشريط الساحلي من صيدا إلى صور. وعليه، فإنّ سهل رأس العين لا يزال، كما يؤكّد أهل المنطقة، على شكله منذ بدء تاريخه الزراعي في عهد الفينيقيّين، الذين تذكر المراجع التاريخية أنهم كانوا يغذّون صور البرية من سهلها.
يحافظ ذلك السهل على التنوّع البيولوجي، بينما تتوزّع أنواع الزراعة فيه. فبينما يعتمد بعض مزارعيه الزراعة العضوية، التي تمثّل الخيار الأصعب دائماً، يؤثر الآخرون أساليب الزراعة الحديثة
هكذا، يعدّد أبو علي المشاكل التي يعانيها جاره في زراعة الخضر العضوية، وصولاً إلى تسويقها. إذ يضطرّ الرجل إلى شراء البذور المستوردة العالية الكلفة وزرعها في موسم واحد فقط، مستخدمًا أدوية غير متوافرة لدى كل المحالّ الزراعية، وإذا ما توافرت، تكون ذات ثمن باهظ. ولاسترداد التكاليف التي يتكبّدها نتيجة كل تلك العملية، يلجأ الجار إلى بيع المحصول بثمن أغلى من المعتاد، ما يصعّب من أمر تسويقه. فالثمن المرتفع للمُنتَج الزراعي العضوي لا يلاقي استحساناً لدى معظم سكان المنطقة، الذين لا يملكون القدرة الشرائية لاستهلاكه. ويلفت أبو علي إلى أنه وجيرانه المزارعين قد يسهمون في ضرب محصول جارهم من دون قصد منهم، ومن غير أن يكون في نيّتهم أذيّته. فلجوء أبو علي، وجيرانه ممّن لا يعتمدون الزراعة العضوية، إلى رش المبيدات الرديئة النوع، بطريقة عشوائية وعلى نطاق واسع في أراضيهم، يؤدّي إلى انتقال سمومها عبر الهواء إلى حقل الجار، حيث تتشرّبها مزروعاته.
رغم واقع الزراعة غير المدعوم وغير المنظّم، تظلّ القاعدة في رأس العين ثابتة «طعامنا من حقلنا وشرابنا من النبع وقيلولة الظهيرة تحت الشجرة»، كما يقول أحد المزارعين. فقد استحدث القيّمون على المحمية فعالية الغذاء التراثي الذي يقيمونه على شرف الوفود الزائرة، من تلامذة أو ناشطين بيئيين أو غيرهم، في ختام جولتهم على المحميّة.
هكذا، مع تحديد قدوم وفد ما، يشتري مدير المحمية، المهندس الزراعي حسن حمزة، من المزارعين كميات الخضار الموسمية اللازمة لإعداد طبخة تراثية، يكلّف إحدى السيدات في البلدة بإعدادها، يقدّم بجانبها اللبن البلدي الطازج، الذي يُشترى من مزرعة الأبقار والماعز الوحيدة في السهل. أما «التحلية» بعد الغداء، فتكون في هذه الفترة بالذات البطيخ، الذي يُقطَف من السهل مباشرةً.
ولأنّ إضافة أطباق المنطقة التراثية، المصنوعة من منتجات المنطقة، إلى جولة زوّار المحمية لا تكفي وحدها لتشعر الإدارة بأنها أتمّت كل واجباتها بخصوص إعادة المنطقة وسكانها الى التراث البلدي الزراعي، تسعى الإدارة اليوم إلى تكريس دورة معيشية واقتصادية كاملة في السهل، تبدأ بتنظيم الأنواع الزراعية وأساليبها، وصولاً إلى تصريف المنتجات. وفي هذا الصّدد، تخطّط المحمية لتطوير التعاون مع سيدات المجتمع المحلي، لصنع المأكولات التراثية والألبان والأجبان من أجل إنشاء ما يشبه مطعماً لتقديم هذه الوجبات إلى الزوّار، ما سيسهم حتماً في توسيع سوق تصريف المنتجات الزراعية المتنوّعة. وللغاية، يُعدّ لإنشاء سبعة بيوت خشبية صديقة للبيئة (كيوسك) في أرجاء المحمية، منها ما سوف يُستخدَم لتخزين المونة، ومنها ما سيصبح بمثابة فندق صغير يستقبل السيّاح والزوّار والخبراء وفق نظام «BED AND BREAKFAST».
كذلك، يجري البحث حالياً في توقيع اتفاقية بين المحمية والتعاونيات الزراعية المحلية المختصة بتصنيع المربّيات والشرابات العضوية، لتسويق منتجاتها عبر توضيبها على شكل تذكارات تحمل شعار المحمية.