كارول كرباجارتفاع أسعار العقارات في لبنان (566% خلال أربع سنوات، وفق البنك الدولي)، دفعه إلى الاستثمار في قطاع العقارات في مختلف مناطق بيروت، من الأشرفية والجميزة إلى كورنيش النهر والحمرا والبسطا وزقاق البلاط. ويشير إلى خريطة عيّن عليها المناطق التي تهمه.
مشروع الرجل واضح، مراكمة الممتلكات. لكن الغموض يكمن في كيفية استثمارها. يقول إن هدفه هو ترميم الشقق القديمة بهدف تأجيرها بأسعار مرتفعة وفي حالات نادرة بيعها، إذ لديه الرأسمال الكافي، مضيفاً العبارة التي نسمعها على ألسنة معظم الوكلاء العقاريين «إن البيوت التراثيّة جميلة إذا رُمّمت».
كلمة «إذا» هذه تفصل بين معيار المحافظة على البيوت التاريخية ومعيار الربح. والمعياران متناقضان في ظل عدم وجود قانون يحافظ على الأبنية التراثية ويحمي في الوقت نفسه مصالح مالكي البيوت القديمة. نسأله: أليس معيارك «المراكمة»؟ فيردّ بأنه إذا كان المنزل القديم، وهو غالباً مؤلف من ثلاث طبقات على الأكثر، على مساحة أرض أكثر من 200 متر مربع في قلب العاصمة، فمن غير المجدي ترميمها وتأجيرها، مؤكداً أنه «في هذه الحالة، أفضّل استبدالها بأبنية جديدة من عشرات الطوابق».
إلا أنه غير مهتم في الوقت الحاضر لمشروع إعادة الإعمار لكونه يحتاج إلى الكثير من التصاريح «وفيه وجعة راس»، يقولها بلهجته العربية المكسّرة، لكن «أفكر في ذلك على المدى البعيد، بعد نسج شبكة علاقات تمكنني من الدخول في شراكة مع بعض الأشخاص». إذاً، في الوقت الحاضر، يسعى جياني لشراء أكبر عدد ممكن من البيوت والشقق القديمة في مختلف مناطق بيروت بهدف الاحتفاظ بها، «لأنه يوماً ما، حين سيُتخذ قرار بهدمها، سيُدفع لي أكثر بكثير من مبلغ الشراء... للهدم».
أطلق المستثمر الشاب مشروعه العقاري في لبنان منذ ستة أشهر، سافر خلالها دورياً إلى الولايات المتحدة الأميركية. اشترى حتى الآن ثلاث عشرة شقة معظمها في منطقة الأشرفية، وقد أتم ترميم عشر منها «بأسلوب عصري»، أي بهدم كل شيء في الشقة حتى الجدران، وإعادة تقسيمها باستبدال الشقة القديمة التي غالباً ما تكون مساحتها كبيرة بشقتين، ما يمكنه من مضاعفة الأرباح. في كل الأحوال، هو يفضل الشقق الصغيرة والمتوسطة التي تراوح أسعارها بين 100 ألف و250 ألف دولار، لأنه إذا حصلت أزمة عقارية كالتي شهدها في ميامي، فالشقق الصغيرة والمتوسطة تكون أقل تأثراً.
يشتري كل ما يصادفه من شقق قديمة. لا تهمه قيمتها التاريخية، فيصارحنا بالقول إن ما يهمه هو المالك الذي يحتاج الى بيع شقته... ويحتاج إلى الـ«كاش»، مستفيداً بذلك من الأحوال المادية الضيقة لعدد كبير من مالكي هذه الشقق.
من المؤكد أن جياني ليس الوكيل العقاري الوحيد الذي يهدّد هوية بيروت وذاكرتها التاريخية بهدف مراكمة الأرباح والممتلكات. ما يميّزه أنه يعمل إلى حدّ ما علناً، ولو أنه يفضل عدم تسجيل جميع شققه باسمه. ربما، لكن المؤكد أن ذاكرة مدينتنا أصبحت برسم البيع ما دامت خاضعة لمنطق سوق العقارات، بغياب قانون يحمي الممتلكات التراثية.