تحركت أسر «لبنانية»، بالاسم فحسب، أمس، مطالبةً بحقّها في أن تكون لبنانية بالفعل. مشت الأسر، بدعوة من حملة «جنسيتي حق لي ولأسرتي» من الصنائع إلى عين المريسة، حيث أقيمت محكمة شعبية تواجهت فيها الدولة مع مواطنيها
أليسار كرم
مخطئ من يظن أن المسيرة التي نظّمتها حملة «جنسيتي حق لي ولأسرتي»، أمس، للمطالبة بحق المرأة اللبنانية بمنح الجنسية لزوجها وأولادها هي مسيرة للنساء فحسب. عائلات بكاملها قررت أن تمضي عطلة الأحد متضامنة مع الحملة، إيماناً منها بأحقية هذا المطلب. حضروا من مختلف المناطق، صغاراً وكباراً، إناثاً وذكوراً، لرفض «القانون المجحف والمهين». انطلقت التظاهرة من أمام حديقة الصنائع وتقدمت باتجاه عين المريسة على وقع الأغاني والشعارات وصيحات المشاركين الذين رفضوا الاعتراف بالتعب رغم شمس حزيران الحارقة.
«فدا زوجي وابني»، قالت إحدى السيدات وهي تلتقط أنفاسها. «يا حكومة لبنانية وين المواطنية؟»، صرخ المتظاهرون: «حكومتنا طائفية وقوانينها مهتريّة وبديت ثورة شعبيّة بتطالب بالجنسية». أحاديث المشاركين في المسيرة الذين جابوا شوارع بيروت رافعين لافتات خطّتها أيديهم توحي للسامع بأن الحواجز والشكليات أزيلت تماماً من بينهم. المعاناة تقرّب بين الناس وتجمعهم. الأمهات تحدّثن عن معاناتهنّ للحصول على إقامات لأولادهنّ أو لتجديدها. الأرامل تحدّثن عن صعوبة العيش من دون معيل ومن دون أن يعترف المجتمع والدولة بلبنانيّتهنّ بعدما «تجرّأن» وتزوّجن بأجنبي. الأبناء قالوا: «نحسّ بالغربة في وطننا». استفاضوا بوصف المعاملة السيئة التي يتلقّونها في بعض المستشفيات أو المدارس لأنهم «أجانب» أو من صاحب الملك «الذي يتمقطع فينا لأننا بلا سند»، يقول شاب مصري رفض الكشف عن اسمه. الكل يجمع على أن رابطة الدم مع الأم التي لا يعترف بها القانون أكثر من كافية ليكون للأم حق بإعطاء جنسيتها لأولادها. يستشهدون بتجربة مصر والمغرب والدول الأوروبية الأخرى، ويسألون «لماذا لا يستطيع لبنان الارتقاء إلى مستوى هذه الدول؟ هل الحسابات الطائفية أهمّ؟». يتفقون على أن الولادة في لبنان والعيش والعمل فيه أسباب كافية للقول «أنا لبناني. أنا لبنانية». جميعهم ملّوا من إجراء المعاملات الرسمية وتصديق الأوراق قبل القيام بأي خطوة كالتسجيل في المدرسة أو الجامعة أو المعهد أو لإيجار شقة أو الحصول على وظيفة.
في هذه «المحكمة الشعبيّة» دافع المواطنون عن أنفسهم
الكل مجمع على ما هو مكتوب على اللافتات «كفاكم عنصرية، كفاكم ذكورية»، «يحق للبنانيين ما لا يحق للبنانيات». مشوا إلى أن وصلوا إلى كورنيش عين المريسة، حيث تُقام محكمة صوَرية تتواجه فيها الدولة اللبنانية مع الشعب. في تلك المحاكمة، جلس شاب أنيق المظهر، يدخن السيجار ويتشح بالعلم اللبناني، مسترخياً على كرسيّه، فيما ميزان العدالة وراءه هو ميزان «خضرجي» على كفتيه بطيخ وشمام، وإلى جانبه كاتب المحكمة ينادي «قرّب ع الطيّب. العدالة والمساواة يا بلاش». في هذه «المحكمة الشعبية»، كما أراد المنظّمون تسميتها، دافع المواطنون عن أنفسهم وحملوا شكواهم إلى الدولة الغافلة عنهم.
شاب مصري روى معاناته بعد وفاة أمه اللبنانية التي كانت «بنت الدولة لأنها موظفة في وزارة الاتصالات». قال «لم أستطع أخذ التعويض بحجة أنني غير لبناني. لم يعاملوني على أساس أنني وريثها ولا حتى على أساس أنني ابنها». شابة أخرى سردت بحرقة ألم والدها الذي تطاول عليه جاره بالقول «بدّي رحّلك من هون يا أجنبي». أما السيدات فروين صعوبات التعاطي مع رجال الأمن العام و«البهدلة» كلما أردن زيارة الزوج المسجون لخطأ ما في أوراقه، أو كلما سعين إلى الحصول على إقامة لأولادهنّ. «كان عمر ابني 15 يوماً عندما حاولت الاستحصال على إقامة، فأصرّ الأمن العام على معرفة مهنته ومكان عمله كشرط مسبق».
منسّقة حملة «جنسيتي حق لي ولأسرتي» رولا المصري قالت إن «المطلب الأساس هو تعديل قانون الجنسية وليس إصدار مرسوم للمجاملة، فهذا حل جزئي للمشكلة بل حل مهين». ولفتت المصري إلى أن هذا التحرك يختتم مرحلة المطالبة أمام القضاء في مواكبة لحالة سميرة سويدان ويفتتح مرحلة جديدة من العمل المطلبي الجاد والضاغط من أجل تغيير القانون المجحف بحق المرأة».