مايا ياغي«ماريو»، «خوفو»، «استخبارات»، «أبو غسالة»، «جواهر». ألقاب لطالما أثارت الضحك بين صفوف زملائي في الثانوية، كما أثارت الكثير من المشاكل مع الأساتذة، إذ كان لكل أستاذ نصيب من اللغة «السرية» المتداولة بين الطلاب، ولقب ينتقونه خصوصاً له منها! مرّت السنوات وتخرّجت من الثانوية التي ما زلت أحفظ لها أجمل الذكريات، وشاءت الصدف أن التقي بطلاب يدرسون حالياً فيها. لم أتردد في السؤال عن أحوال أساتذتي القدامى، وأن أستفهم عمّا أصبحت عليه حياتهم، لأجد أن كل شيء لا يزال كما كان. حتى الألقاب لم تتغيّر، ولا أساليب المشاغبة، إلا أنها طُوّرَت بفعل أدوات جديدة أوجدتها التكنولوجيا الحديثة وأصبحت في متناول الطلاب، كالهاتف المحمول مثلاً، الذي لم يكن متوافراً لنا في تلك الأيام.
لم أعرف يوماً من اخترع تلك الألقاب التي كنا نطلقها على أساتذتنا، دخلت الثانوية وكانت متداولة فاعتمدناها. من المؤكد أنها سبقت جيلي، لتحافظ على استمراريتها مع الأجيال اللاحقة أيضاً. كان لكل أستاذ من أساتذتنا لقب خاص يتناسب معه في نظرنا. ولأن «الصالح بيروح بعزا الطالح»، كان القديرون من الأساتذة ينالون نصيبهم أيضاً، ولا يسلمون من مشاغباتنا. كان أستاذ الجغرافيا من أكثر المعلمين تحكّماً في أعصابه وأكثرهم مراعاة لظروف طلابه. ولأن شخصيته الهادئة أضفت شبهاً بينه وبين الممثلين المكسيكيين الرومانسيين الذين كانوا «على الموضة» في أوائل التسعينيات، كان لقب «ماريو» من نصيبه.

حتى حاجب الثانوية لم يسلم من لغتنا السريّة
لقب «خوفو» الذي استعرناه من فراعنة مصر، كان من نصيب الناظرة التي عُرفَت بصرامتها وبشخصيتها القوية، إضافة الى الكحل الأسود الكثيف الذي كانت تحيط به عينيها، لتبدو كما يبدو الفراعنة في الصّور. أما الحاجب، وقد كان شديد التعلّق بالمدير، يحرص على نقل كل الأخبار إليه، الشاردة والواردة منها، بوتيرة أسرع من وتيرة عمل وكالات الأنباء، فقد اختير له لقب «الاستخبارات». وبالنسبة إلى «أبو غسالة»، فكل ذنب الأستاذ صاحب اللقب أنّ غسالة منزله تعطّلت مع بداية العام الدراسي، فوضعها في السيارة بهدف تصليحها، لكنه لم يصلحها أبداً، فظلّت حتى موعد امتحانات نهاية العام في مكانها تنتظر من يحرّك لها ساكناً. أذكر أيضاً معلمة اللغة العربية. كانت تغار كثيراً على لغتنا الأم، وتؤنّبنا إذا لم نتقن صياغة جملة أو إعرابها. فهي لا تتساهل في كل ما يتعلق بالنحو والصرف. مشكلتها فقط أنها لم تترك جيلاً إلا ولقّنته، بيقين تامّ تحلّت به، أن كلمة «مدخل» إلى النّص تلفظ بضمّ الميم! وهي قاعدة لم نسمع بها في أي مكان آخر غير ذلك الصف، وحتى اليوم، لا أعرف إن كانت صحيحة أو لا، لكنها، في جميع الأحوال، أكسبت المعلمة لقب «جواهر»...