تعيش بقعتوتة، في فتوح كسروان، كارثة بيئية، بسبب مرمل يمعن تخريباً في الضيعة منذ عشر سنوات. ولا تبدو نهاية الكارثة قريبة، عقب تولّي صاحب المرمل... رئاسة البلدية
ريتا بولس شهوان
وراء كلّ كسّارة أو مرمل في فتوح كسروان، سياسي معروف أو رئيس بلدية، يستفيد من فشل السلطة السياسية في إقرار خطّة متكاملة لتنظيم قطاع المقالع والمرامل. ويتمثّل الأمر في وجود حلقة مترابطة من المتموّلين والمتنفّذين، حالما يسقط أحد رموزها، تكرّ أحجار «الدومينو» واحداً تلو الآخر. وتمتد الحلقة المذكورة على مختلف قرى الفتوح، التي تشهد عملية تدمير بيئي منذ بداية التسعينيات، كما حصل في ميروبا ووطى الجوز. ولا تشذّ بقعتوتة عن هذه القاعدة، إلّا أنّ الخطر فيها لا يقتصر على تآكل تلالها، وإن بعوامل غير طبيعية، بل إنّ أثر مرملها يمتد إلى مياه نبع صنين والينابيع المجاورة التي ترتوي منها الضيعة. ويعاني الأهالي الظمأ لندرة المياه، الذاهبة في معظمها إلى المرمل؛ وهي إن وُجدت، تمثّل الخطر على الآلاف، بسبب تفريغ آليات الكسارة مازوتها المستعمل في نبع صنين، أو في البساتين المجاورة للمرمل. وقد أثير هذا الأمر منذ أشهر، بعد حادثتين: الأولى خسارة أصحاب المطاعم في بسكنتا أسماك الترويت في مزارع أحواضهم، التي تتغذّى من مياه ينابيع المنطقة، بعد تسمّمها بسبب التلوّث عينه، الذي تسبّبه المرامل، وفق ما أكّده أحد المتضررين لـ«الأخبار»، الذي رفض الإفصاح عن اسمه، معتبراً أنه تلقّى تعويضاً عن خسارته، رافضاً الإفصاح عن قيمته. أما الحادثة الثانية، فهي إتلاف موسم التفاح في بقعتوتة، لتسرب مياه سامة إلى البساتين المجاورة للمرمل من بئر اصطناعيّة، يبدو أن مياهها هي الأخرى تلوّثت بدورها.
هكذا، بعد معركة «كسر العظم» في بقعتوتة، نتيجة انتخاب مجلس بلديتها الأولى في أيار الماضي، تشهد الضيعة حالياً معركة «كسر الجبل» في مواجهة المرمل، ولا شيء قادراً على إيقاف أعماله، اللهم إلّا قرار من وزارة البيئة، الأمر الذي استبعده عدد من الأهالي لسببين: الأول أن المرمل في عهدة رئيس البلدية، والثاني أنّ هذا المرمل كان مدعوماً في السابق من جهات وزارية وأمنية عديدة، بينما بات اليوم يدعم نفسه بنفسه، وخصوصاً أنّ سعر الرمل قد ارتفع عالمياً بعد أزمة مواد البناء، والارتفاع الحادّ في أسعارها، وهو المرمل الوحيد الباقي في كسروان، بعد تشديد محافظ جبل لبنان على مسألة إعطاء الرخص للكسارات والمرامل وتجديدها. لهذا، وقّع البعض من الأهالي، الخائفين من تدني أسعار العقارات بسبب التشوّه اللاحق بالطبيعة، عريضة متعلقة بالموضوع. وتفيد المعلومات المستقاة من مصادر رسمية في مخفر فاريا، أنّ الرخصة الممنوحة للمرمل لا تسمح له إلّا بـ«غسل الرمال» الآتية من البحر، وهذا ما تخالفه الأعمال الجارية حالياً. والمعاينة الميدانية تؤكّد أنّ العمل يتعدّى غسل الرمال، على الرغم من وجود بحيرة ضخمة لغسل الرمال داخل المحفار، إلى استخراجها من تلال المنطقة المذكورة، فيما تطبيق الرخصة يفترض جلب الرمال من البحر لغسلها، بعكس ما تفيد به حركة الشاحنات، التي تدخل المنطقة فارغة، وتغادرها محمّلة بالرمال. هذا ومن اللافت وجود مجبل للباطون الجاهز تحت غطاء الرخصة نفسها، كل ذلك في رقعة جغرافية محدّدة، تمتد بين باكيش وضهر بقعتوتة وفقرا، من دون أيّ مراعاة للرخصة الممنوحة، ولا للأصول البيئية، حتى لناحية استصلاح الأراضي وتشجيرها، «فالاستصلاح» الوحيد هنا هو طمر نفايات فقرا، حسب ما علمت «الأخبار» من مصادر موثوق بها رفضت التصريح باسمها، التي أفادت أنّ هذه النفايات يؤتى بها بواسطة شاحنات تمر يوميّاً تقريباً، عبر طريق غير معبّد، حُفر خصيصاً بين فقرا والمرمل. وقد جرت معاينة الطريق في الزيارة الميدانية المذكورة، علماً أنها جرت ما بين الخامسة والثامنة صباحاً، عملاً بنصيحة بعض الأهالي، حيث إنّ أحداً منهم لا يجرؤ على سلوك هذا الطريق علناً. هذا وتجري مواجهة تدخّل قوى الأمن في الموضوع بواسطة رخصة «المغسل»، فيما تتردّد شائعات عن «زيارة آخر الشهر»، يقوم بها بعض العناصر إلى المحفار.
أمام هذا الواقع، ثمة رأي يقول إنّ المسألة لا تعني إلا بقعتوتة وحدها! علماً أنّ أيّ اخلال بالبيئة في منطقة ما، يؤثّر في توازنها العام، ويمتد زمنياً إلى مستقبل المكان.