قدّمت منظمة «برلمانيون ضد الفساد» بالتعاون مع الشبكة الوطنية لتعزيز الحق في الوصول إلى المعلومات، اقتراح قانون لحماية كاشفي الفساد
أحمد محسن
الفساد جريمة منظّمة. لكن، رغم ذلك، يكاد الحديث عنه في لبنان، أن يكون أشبه بنكتة. فوفقاً لنص اقتراح قانون «حماية كاشفي الفساد»، الذي قدّمه عدد من النواب أمس، بالتعاون مع الشبكة الوطنية لتعزيز الحق في الوصول إلى المعلومات، يُعدّ فساداً من الناحية القانونية في القطاعين العام والخاص «أيّ استغلال للنفوذ أو السلطة العامة أو المال لتحقيق مكاسب خاصة غير متوجّبة، وكل عمل يؤدي إلى التماس أو عرض أو قبول منفعة خاصة غير متوجّبة مباشرةً أو عبر وسطاء». كان هذا التعريف مقدّمة لإطلاق اقتراح القانون في مكتبة مجلس النواب، المستكين في رحاب سوليدير. وهذه مفارقة أولى، فجزء كبير من اللبنانيّين يضع ألف علامة استفهام حول سوليدير مثلاً.
وتزامناً مع عرض النواب الحاضرين لآرائهم المتحمسة بشأن ضرورة قوننة محاربة الفساد، برزت ضرورات تسريع إقرار هذا القانون تدريجاً. فلبنان، صدّق على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، بموجب القانون رقم 33 (16 تشرين الأول 2008)، كما نصت المادة 33 من الاتفاقية المذكورة، على «حماية المبلّغين». النائب غسان مخيبر، الذي ألقى كلمة «برلمانيون ضد الفساد» ومجلس إدارة الشركة الوطنية لتعزيز حق الوصول إلى المعلومات، استفاض في الحديث عن الاقتراح، من دون أن يفوته تسجيل بعض الملاحظات على اقتراح قانون «مكافحة الفساد في القطاع العام»، المقدّم من النائب روبير غانم، والتعليق على قانون الإثراء غير المشروع.
هل يمكن أن يصبح الفاسدون أكثر من المبلّغين عنهم؟
هذا القانون، بالنسبة إلى العديد من المواطنين العاديّين، حبرٌ على ورق، لا بل حبرٌ على حبر، لأنهم بالكاد يعرفون شيئاً عنه. لم يسمع أحد يوماً بملاحقة فاسد قضائياً، رغم آلاف قضايا الفساد. وزير الاقتصاد محمد الصفدي، الذي يرى أنّ السيّاح والمسثتمرين أولوية، لفت إلى أنّ إقرار هذا القانون، في «سلّة واحدة» (مكافحة الفساد في القطاع العام، وحماية كاشفي الفساد)، من شأنه أن يعزّز الثقة بين المستثمرين والدولة اللبنانية. فالاستثمار أوّلاً! وبكلام أدق، محاربة الفساد لتعزيز الاسثمارات. حقوق المواطن تأتي لاحقاً.
في المقابل، كان ممثل الشركات في القطاع الخاص، وأمين سر الجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية، فادي صعب أقل حماسة. وفي خلال عرضه الكلاسيكي لضرورات محاربة الفساد، أعلن أنّ هذه هي الخطوة الأولى «في مشوار الألفي ميل». لم يكتفِ بميل واحد. المجتمع المدني، على ما يبدو، جادّ في تقدير الفساد أكثر من النواب. النائب علي فياض، طلب توسيع دائرة عمل المجتمع المدني لتفعيل الرقابة القانونية، فحتى الآن «لا نتائج والفساد في تفاقم». فهل يمكن أن يصبح الفاسدون أكثر من المبلّغين عنهم؟ النائب وليد خوري نقل الحوار إلى مكان مختلف. هكذا، بدأ خوري من محطة القضاء، فتحدّث عن وجوب إصلاحه. في رأيه، المسؤولية بالدرجة الأولى تقع على عاتق القضاء. وفيما لم يتطرّق النائب عماد الحوت إلى موضوع القضاء، كان لافتاً إصرار النائب عن الجماعة الإسلامية على إيلاء المجتمع المدني مساحة أكبر من المساحة الرسمية، لمجابهة الفساد. كأنّ الحوت على ثقة بأنّ الفساد داخل مؤسسات الدولة أكثر منه خارجها؟ وكأنّ عتاب النائب سكرية تالياً للمجتمع المدني على تقصيره في فضح الحقائق هو الآخر بدأ مألوفاً للحاضرين؟ لا فرق. في المحصّلة، الجميع ينتظر جهة رسمية (مجلس النواب) لإقرار هذا القانون. والمطالبات من الحقوقيّين الحاضرين في جلسة النقاش، التي تلت الإعلان عن الاقتراح، اختُصرت بعدم «تنويم» المشروع المؤلف من 8 فصول، و24 مادة في الأدراج.
إنّ تقديم هذا الاقتراح ـــــ ولو متأخراً ـــــ يعني أنّ هذا القانون غير موجود أصلاً في لبنان، ما يعني أيضاً أنّ «الفاسدين» يتظلّلون بغياب النصوص القانونيّة.