بعد 24 ساعة على انهيار مبنى معمل الألومينيوم «فولدا»، في زوق مصبح، تستمر أعمال البحث لمعرفة مصير العامل الهندي الثاني، بعد سحب الأول ميتاً، مع أنه بقي على اتصال باللبناني الناجي الوحيد حتى ظهر أول من أمس
ريتا بولس شهوان
لم تعد الباحة الخلفيّة لمصنع الألومنيوم «فولدا» في زوق مصبح تعج بالناس. هنا سيارة الصليب الأحمر ما زالت حاضرة، من دون عناصر. أما مالك المصنع ومحامي الشركة فقد غابا عن الساحة. عدد من عناصر الدفاع المدني فقط، وبعض «شغيلة» المصنع الذين مدّوا يد العون للدفاع المدني في رفع قطع من السقف، بالإضافة إلى عدد من إداريي الشركة المواظبين على الحضور.
الذهول ما زال سيد الموقف، وخصوصاً لمجموعة من التابعية الهندية. فهم منذ ساعات الفجر الأولى، في انتظار أخبار عن مصير الزميلين «نيرمال سينغ» و«فاراتاراجان بالينغ». مرور 24 ساعة على عمليات البحث، والعثور على «نيرمال» ميتاً، أفقدهم الأمل بإيجاد «فاراتاراجان» حياً بالرغم من أنهم عرفوا أنه كان يتكلم وحارث عبود، الناجي الوحيد حتى الواحدة من بعض ظهر أول من أمس، أي قبل ساعات قليلة من إنقاذ الأخير ونقله الى مستشفى سيدة المعونات ـــــ جبيل، حيث تبين أنه لم يصب إلا برضوض.
صباحاً، أتى أكثر من 10 عمال هنود إلى العمل، تجمّعوا في إحدى الزوايا. يسألون بعضهم بعضاً: «هل نبقى؟ هل نذهب؟». لا عمل بعد اليوم، فالشركة دمرت بالكامل. حزنهم مضاعف. البعض منهم كان موظفاً في هذه الشركة منذ أكثر من 10 سنوات، حتى ان كفيلهم في لبنان هو صاحب الشركة. خائفون من الترحيل بعد انهيار المبنى. فبالنسبة إليهم المعمل «خلص!»، على حد قول أحدهم، أي أن عملهم في لبنان، كما وجودهم في شقة استأجرها لهم مالك الشركة، و300 دولار مقابل 10 ساعات عمل أيضاً «خلص!».
في الخارج، يجلس أحدهم وحده على صخرة بعيداً عن ضجيج رافعة الأنقاض. رأسه بين يديه. لا يريد الإفصاح عن اسمه. يشدد على أنه موجود هنا، فقط لأنه صديق «فاراتاراجان» الذي لا يزال مفقوداً. يفاجأ عندما يعرف أن صديقه كان قد تكلم أول من أمس مع حارث، الناجي اللبناني. يسأل أحد الأشخاص من التابعية الهندية إذا كانت هذه المعلومة صحيحة، ليعود فيضع رأسه بين يديه من جديد، ويبكي.

وبالعودة الى المبنى المنهار، الدفاع المدني يكمل عمله. عدد العناصر أقل، إلا أنهم يركزون في الوضع الحالي وفق المسؤول عن فريق العمل إبراهيم خوري على رفع الأنقاض والوصول الى العامل المحتجز.

حزن العمال الهنود مضاعف بفقدانهم صديقاً وبدمار الشركة

وفي اتصال مع ريما، زوجة حارث عبود، الناجي الوحيد من انهيار المبنى، أكدت وفق ما أخبرها به زوجها، أنه كان يتكلم مع أحد الهنديين الموجودين، أي «فاراتاراجان» الذي ما زال تحت الأنقاض، حتى الساعة الواحدة من بعد الظهر، وبعد ذلك اختفى صوت الهندي ولم يعد يرد عليه. تحاول أن تصف لـ«الأخبار» ما حصل قبل ثوانٍ من سقوط المبنى بقليل، وتؤكد أن زوجها كان قد طلب من العاملين الهنديين «إيجاد مخبأ ما وحماية نفسيهما»، كما فعل هو. إلا أنه لم يستطع تحديد مكانهما لبعد المسافة. هكذا خلّص حارث عبود نفسه من الموت بعدما احتمى بآلة، رافضاً رفع قضية على أصحاب الشركة.
إذاً، ما زال «فاراتاراجان بالينغ» مفقوداً حتى الساعة. إلا أن السفارة الهندية التي تبلغت بخبر مقتل «نيرمال» عبر محامي شركة «فولدا» رامي طرباي، رفضت تسلم جثته التي نقلت الى مستشفى سيدة لبنان ـــــ جونية، قبل أن تحصل السفارة على جواب من أهل الفقيد إذا كانت تريد تسلّم جثته أو دفنه في لبنان. وبالنسبة إلى التعويضات للعمال، أكد محامي الشركة أن التأمين سيدفع التكاليف والتعويضات الى المتضررين. وفي اتصال مع محامي شركة التأمين، إيلي حبيقة، وسؤاله عن التعويضات للعمال، أكد أن الشركة لن تدفع التعويضات إلا عند انتهاء التحقيقات. وقد حضرت بعد ظهر أمس مجموعة من الخبراء الى الموقع للبحث في أسباب انهيار المبنى، والتحقيق في المسألة، كما أن القوى الأمنية بدأت تأخذ شهادة عدد من العمال في المعمل والشهود العيان.
يبقى السؤال: هل تكفي الإجراءات البدائية للسلامة العامة من نوع «إطفائية» وغيرها، لحماية حياة العمال في مصانع زوق مصبح؟ هذه المرة، لعب الحظ لمصلحة مئة وثلاثين موظفاً في الشركة؟