حصر القانون رقم 90 الصادر في 6 آذار الماضي، والقاضي بتعديل المادة 37 من القانون رقم 367 بتاريخ 1 آب 1994 عن «مزاولة مهنة الصيدلة في لبنان»، بعض المهن بمتخرّجي الصيدلة فقط، وتالياً، منع متخرّجي العلوم من مزاولتها، فلم يعد أمامهم سوى التعليم

محمد محسن
ستتخرّج دفعة جديدة من طلاب الكيمياء الحياتية (Biochemistry) وطلاب الكيمياء من مختلف الجامعات الرسمية والخاصة. وكغيرهم من متخرّجي الجامعات في لبنان، سيواجهون مشكلات سوق العمل المتنامية كالفطر. لكنّ مشكلة طلاب الاختصاصات المذكورة، لم تعد محصورة بعدد الوظائف المتاحة فقط. ببساطة، مشكلتهم مع القانون. ففيما كان القانون سابقاً يسمح لمتخرّجي هذه الاختصاصات بالعمل في مستودعات الدواء وشركاته، في توضيب الأدوية وتسويقها لدى الأطباء، جاء القانون رقم 90 ليقطع الطريق عليهم بمزاولة هذه المهن. هكذا، نصّت الفقرة «أ» في المادة رقم 37 الجديدة على أنّ «تصنيع واستيراد وتخزين وتسويق وصرف الأعشاب الطبية والمنتجات الناشئة عنها، التي لها صفة علاجية سواء بمفردها أو مخلوطة، أو التي يمكن أن تحتوي على مواد مضرّة أو سامّة، هي كلها مختصّة بالصيادلة..». حتى الآن لا يبدو النص مجحفاً بحق طلاب الاختصاصات المذكورة، لكنّ الشيطان يقبع في تفاصيل البندين الأول والثاني من الفقرة «أ»، إذ يقول البند الأوّل ما نصّه «يختص بالصيادلة كل تحضير أو عملية يراد بها تغيير خصائص النباتات الطبية أو استخلاص منتجات منها»، من دون تحديد ماهية هذه المنتجات. أمّا البند الثاني، فهو أكثر إيلاماً للمتخرّجين، إذ يقول: «يختص بالصيادلة بيع المنتجات الناشئة عن التحضيرات أو العمليات المشار إليها، سواء أكان البيع بالجملة أم بالمفرق». والجملة هنا تعني مستودعات الأدوية وشركاتها، أمّا المفرّق... فهي الصيدليات.
استقبل طلاب الكيمياء الحياتية خاصةً، هذا القانون الجديد بكثير من التجهّم والغضب. «كأنهم يقولون لنا ابتعدوا عن سوق العمل» يقول الطالب كمال نصر. أمّا المتخرّجة، ليليان الداعوق، فتتندّر على «3 سنوات ضاعت كي أصبح معلّمة أو مدرّسة خصوصية؟ هذا مرفوض. سأتّجه نحو اختصاص آخر. كان طموحي العمل في المختبرات أو في شركات الدواء وأحبطوني» تقول. تتشابه ردود فعل متخرّّجي هذه الاختصاصات. كلّها ناقمة على هذا التعديل القانوني «بيقبل طالب الصيدلة يشتغل بشركة دوا بعد درس 6 سنين؟» يسأل جواد حيدر. من جانبه، ينفي عميد كلية العلوم في الجامعة اللبنانية، علي منيمنة، علمه بالموضوع «لم نرَ المرسوم بعد صدوره»، وعن بذل أيّ جهد لمساعدة الطلاب المتضررين يؤكّد «أنّ مواضيع كهذه تُبحث عادةً مع رئاسة الجامعة». أمّا عميدة كليّة الصيدلة في الجامعة اللبنانية د. ماري تويني، فتؤكّد أنه «لا استهداف لطلاب الكيمياء الحياتية إطلاقاً. مادتهم مهمّة وتدرّس في الصيدلة». أمّا القانون الجديد، فغايته «الحفاظ على سلامة المهنة، فمن يعرف تفاصيل الدواء وآثاره الجانبيّة، أي متخرّج الصيدلة، يمكن أن يسوقّه تسويقاً أسلم عند الأطبّاء» كما تقول. تؤكّد أنّ عدد متخرّجي الصيدلة يتزايد سنوياً، وخصوصاً «بعد افتتاح 5 كليّات صيدلة في لبنان، وإذا كنا نخرّج 50 طالباً سنوياً، فالجامعة الخاصة تخرّج أكثر من 100 طالب».
الأبرز في كلام تويني لـ«الأخبار» هو لفت الانتباه إلى أن «تنامي ظاهرة بيع الأدوية العشبية عشوائياً، إضافةً إلى صعوبة فتح صيدليات، وخصوصاً في العاصمة بيروت، سبّبا تعديل القانون أيضاً». لكن لبعض أصحاب مستودعات الدواء وشركاته رأي يختلف مع القانون أصلاً. يعدّونه مبهماً. هكذا، يؤكّد أحد مديري شركات الأدوية (رفض الكشف عن اسمه) «أنّ الشركات ليست بوارد تطبيق هذا القرار حالياً، وخصوصاً أنّ المهمّ هو كفاءة المتخرّج، ومتخرّجو الكيمياء الحياتية لا يقلّون كفاءةً عن متخرّجي الصيدلة في مجال بيع الدواء وتسويقه» كما يقول. أمّا أحد العاملين في شركة أخرى، فمرتاح لأنّ من بدأ العمل لن يجري التخلي عنه. تفهم من حديثه أنّ راتب عمله مغرٍ، ويراوح بين «800 دولار أميركي و1200، من الظلم أن يستحوذ عليه متخرّج الصيدلة، الذي لا تزيد خبرته عنّا، نعمل معاً في الفرق نفسها، ونتلقّى التدريب ذاته من شركاتنا». في أميركا يمكن متخرّجي التسويق أن يعملوا في تسويق الدواء. ينطلق من هذه النقطة ليسأل ساخراً «صرنا أحسن من أميركا بالأدوية؟».



يعمل متخرّج «الكيمياء الحياتيّة» محمد كحيل (الصورة) في إحدى شركات الأدوية منذ عامين. لكن بالرّغم من أنّه «زمط بريشه»، ويملك خبرة عامين، يأسف لأنه لم يدرس الصيدلة، كي لا يقع في دوّامة «وجع الرأس» التي سبّبها التعديل القانوني الجديد





يرى متخرّج علوم الحياة محمد عباس (الصورة) أنّ القانون الجديد قريب من الصيدلة كعنوان، أمّا «عملياً، فلا علاقة له بالمهنة التي نزاولها أفضل من متخرّجي الصيدلة». سيجرّب السفر والعمل في اختصاصه، وإن لم يوفَّق، فسيدخل مرغماً مجال التعليم.




وثيقة

معلومة



يؤكّد أكثر من صيدلاني أنْ لا مشكلة لديه في توظيف متخرّجي الكيمياء الحياتية، على الرغم من أنّ «متخرّج الصيدلة أفضل لحماية المهنة» كما يقول أحد الصيادلة. أمّا رواتب الأجراء في الصيدليات، فتراوح بين 300 ألف ليرة و400 ألف لمتخرّج الكيمياء الحياتية، وتبدأ بـ800 ألف ليرة لمتخرّجي الصيدلة.