بعد 15 عاماً على إنشائه، ها هو يقفل أبوابه. صفحة مضيئة في تاريخ الجامعة اللبنانية تُطوى، بسبب غياب الترويج ورغبة الممولين بالتقشّف. هكذا، يسقط «ماجستير الصحافة الفرنكوفونيّة» هو الآخر، من الفرص القليلة المتاحة الباقية، لطلاب الجامعة الوطنية
سناء الخوري
انتشرت الشائعة كالنار في الهشيم بين طلاب «ماجستير الصحافة الفرنكوفونيّة (DESS)» في الجامعة اللبنانيّة. هل ستكون دفعتهم الدفعة الأخيرة في «دبلوم الدراسات العليا في الصحافة الفرنكوفونيّة»؟ لم يعرف هؤلاء الطلاب أنّ عددهم القليل ــــ 11 طالباً فقط ــــ سيسبب إغلاق أبواب الماجستير. لكن، من قال إنّ الحصول على اليقين من «كليّة الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية» أو من «السفارة الفرنسيّة» سهل؟ مجرّد السؤال عن إمكان إقفال هذا الماجستير ينشر الإرباك مترافقاً مع «عقدة نكران» تلازم الشريكين في تمويله.
عميد كليّة الإعلام، جورج كلاس، نفى «الشائعة» من أساسها. لكنّ الرجل بدا مدركاً لبعض المعوقات الموضوعيّة في وجه «ماجستير الصحافة الفرنكوفونيّة»: «أمام العدد القليل، تصل كلفة الطالب الواحد إلى 18 ألف دولار». المشكلة ماديّة إذاً؟ أسهُم هذا الاحتمال ترتفع بعد خفض عدد البعثات الفرنسيّة المشاركة في إعطاء الصفوف هذا العام. وعلى الجانب الفرنسي، تحاول الدبلوماسيّة بكلّ حنكتها احتواء شائعة مماثلة. حين تذهب لسؤال مارتين إيرلام، ملحقة التعاون في السفارة الفرنسيّة في لبنان، عن إمكان إيقاف التعاون مع «الجامعة اللبنانيّة»، تجدها تنتظرك مع مدير «البعثة الثقافيّة الفرنسيّة» دوني غيار. يؤكد الأخير أنّ شائعة الإقفال «ليست صحيحة وليست خاطئة». لكنّ «الوضع تغيّر منذ 14 عاماً، وخصوصاً بعد افتتاح ماجستير مهني لطلاب الصحافة في الجامعة اللبنانيّة. من الممكن أن نلجأ إلى صفوف إعداد متواصل». من جهتها، تؤكّد إيرلام أنّ «الصيغة الحاليّة أصبحت متحجرة، ولهذا نريد أن نجد صيغة جديدة».
لن يوقف الفرنسيون التعاون، بل سيبحثون عن صيغة جديدة إذاً. ألا تعني صيغة جديدة إلغاء الصيغة الحاليّة؟ الشركاء الآخرون في الماجستير من باريس، يصابون بالذهول حين تسألهم عن بحث في احتمال مماثل. ريمي لو شامبيون من «معهد الصحافة الفرنسي» يجيب: «لم نتبلّغ أي معلومات رسميّة بعد». فيرونيك غاري مديرة القسم الدولي في «مركز تأهيل الصحافيين وتدريبهم في باريس»، كانت أكثر صراحة: «علمت عن طريق المصادفة أنّ إيقاف الماجستير مطروح، وأنّ بعض الاجتماعات عقدت مع «رئاسة الجامعة اللبنانيّة» للبحث بصيغة تعاون مختلفة. للأسف، وجدنا أنفسنا أمام الأمر الواقع». نتّصل برئيس الجامعة اللبنانية زهير شكر، فيعلن: «قرار الإيقاف اتخذ بالفعل». «الدفعة الحاليّة ستكون الدفعة الأخيرة»، يقول شكر. «لكنّ التعاون بين الجانبين اللبناني والفرنسي لن يتوقّف بل سيتحوّل إلى الماجستير المهني M2 في «كليّة الإعلام والتوثيق». سيتولّى أساتذة فرنسيوّن إعطاء بعض المقررات بالفرنسيّة للطلاب الراغبين بذلك».
ثمة قطبة خفية. يبدو أنّ إقفال «ماجستير الصحافة الفرنكوفونيّة» يندرج في سياق متشعّب. خفض ميزانيّة السفارات الفرنسيّة كلّها خلال العامين الماضيين واقع لم يعد يخفى على أحد. بعض المتابعين للدبلوماسيّة الفرنسيّة يقولون إنّ هذه الأخيرة مهتمة بمشروع التعاون المتوسطي وبعودة فرنسا للعب دورها كـ«دولة عظمى»، بعيداً عن صورة «الإرساليّة». أمّا «الجامعة اللبنانيّة» فلم تروِّج لهذا الماجستير خلال الأعوام الماضية. يُخشى أن رغبة العميد جورج كلّاس بالترويج له ــــ كما أخبرنا ــــ متأخرة قليلاً.


نهاية عهد

منذ عام 1995 وحتّى تاريخ الاستغناء المفترض عن خدماته، بعد تخريج الدفعة الحاليّة، يكون «دبلوم الدراسات العليا في الصحافة الفرنكوفونيّة» قد خرّج أكثر من 260 صحافياً. الاختصاص ثمرة تعاون بين «مكتب التعاون والنشاط الثقافي» في السفارة الفرنسيّة في لبنان، و«كليّة الإعلام والتوثيق» في «الجامعة اللبنانيّة»، و«مركز إعداد الصحافيين وتأهيلهم في باريس» (CFPJ) و«المعهد الفرنسي للصحافة في «جامعة باريس الثانية» (IFP). أما حملة الإجازة، فيمكن أن يكونوا من مختلف الاختصاصات (إعلام، أدب، حقوق، هندسة، علوم،...) علماً بأنه كان يمكنهم التقدّم لامتحانات الدخول، وهذا ما لن يعود متاحاً لكثيرين من الراغبين بالحصول على إعداد مهني «رصين» في ميدان الصحافة من غير متخرّجي كليّة الإعلام.