أقام أصحاب البسطات على ضفاف نهر أبو علي الدنيا ولم يقعدوها. يوماً بعد يوم، تزداد معارضتهم لمشروع سقف النهر الذي يمنع نصفهم من العودة إلى «التبسيط»، وخصوصاً بعد قرار البلدية تحديد البسطات بـ258 بسطة من أصل 450. وقد رأت البلدية في ما تقدم «تشويشاً على الانتخابات البلدية المقبلة»
طرابلس ــ فريد بو فرنسيس
لم يكد مشروع سقف نهر أبو علي في منطقة التبانة في مدينة طرابلس يصل إلى خواتيمه، حتى بدأت تعلو أصوات اعتراضية رأت أن «مشروع سقف النهر غلطة بيئية كبيرة، ستجعل منه منطقة مقفلة تمنع عنه أشعة الشمس والتهوية». وفي هذه الحالة «يصبح بيئة خصبة لنموّ الجراثيم، وتكاثر الزواحف الضارة». هذا ما يقوله أصحاب البسطات الذين أصبحوا أشد المعترضين على عملية سقف النهر التي ستحرم على الأقل نصفهم من التبسيط ثانية في وسط السوق الشعبي الذي يقصده كل يوم المئات من المناطق القريبة لعاصمة الشمال. هذا السوق والإقبال عليه والمحالّ التجارية المنتشرة بكثافة على ضفتي النهر كانت قد حوّلت مجرى النهر مكباً للنفايات، ما دفع السلطات المحلية إلى الإسراع في تنفيذ عملية سقف النهر ضمن مخطط عام ينظم مدخل طرابلس الشرقي، ومنطقة التبانة، ومحيط النهر. ويتساءل أصحاب البسطات: «ماذا يمكن أن يحدث في المستقبل في هذه المنطقة المعزولة تحت السقف؟ وهل من المقبول أن نعالج مشكلة بيئية حاصلة على ضفاف نهر أبو علي، بإبدالها بأخرى لا تقل خطورة عنها، لا بل أخطر؟». هذه الأسئلة التي يطرحها أصحاب البسطات، لا ينتظرون إجابات عنها، لأن ما يهمهم فعلياً ليس البيئة التي يكاد الاهتمام بها يكون ترفاً بالنسبة إليهم، بقدر ما هي مشكلتهم الرئيسية المتمثلة بإيجاد مكان لائق لإيواء بسطاتهم المنتشرة على ضفتي النهر. هكذا، رفع هؤلاء الصوت عالياً ضد المشروع الذي يقترب من نهاياته، وهم لن يتراجعوا عن تحركاتهم «حتى رفع الغبن اللاحق بنا، لأنه مشروع فاشل لا يليق بوجه هذه المنطقة»، كما يقول المتحدث باسم أصحاب البسطات زياد علوكة، مضيفاً: «إنّ النهر متنفس هوائي وبيئي طبيعي لا يمكن التلاعب بهندسته الطبيعية من دون الإضرار بالنسيج الكامل حوله».
ويسأل علوكة عن سبب تحول وجهة المشروع الذي كان من المفترض أن «يحمل للمدينة أملاً بنفض الغبار عن تراث هائل، فإذا به يؤدي إلى تشويه هذا التراث»، مشيراً إلى أن «ما نُفِّذ إلى اليوم من مراحل مشروع الإرث الثقافي، يدعو في الحقيقة إلى القلق، وذلك بسبب أخطاء أصبحت واضحة للعيان في الدراسات، وفي أعمال التنفيذ، وهذه الأخيرة لا تحتاج إلى عينَي خبير للإقرار بسوء تنفيذها». وعن هذه الأخطاء، يقول نقيب أصحاب البسطات، عبد الرحمن مراد، في اتصال مع «الأخبار»، إن «المشروع بصيغته الحالية غير مؤهل على الإطلاق لاستقبال البسطات، وخصوصاً أن عملية تقسيم المساحات التي من المفترض أن توضع فيها البسطات، لم تكن مدروسة دراسة علمية، إذ إنها متقاربة بعضها من بعض». ويضيف مراد: «كذلك، لا حمامات للعامة داخل السوق، وتمديدات الكهرباء مكشوفة، ما قد يعرض العاملين داخل هذه الأماكن للخطر». ولفت إلى أن «عملية الرقابة الدائمة والصيانة لن تنجح، فالذي لا يستطيع مراقبة نهر أبو علي وحراسته وهو مكشوف، فكيف سيراقبه وهو مسقوف؟». هذه الملاحظات التي يوردها النقيب، كان قد رفعها أصحاب البسطات إلى مجلس الإنماء والإعمار وبلدية طرابلس، إلا أنهم لم يلقوا جواباً حتى الساعة. وفي رد غير مباشر على ما قاله رئيس بلدية طرابلس، المهندس رشيد جمالي لـ«الأخبار» سابقاً، من «أن البلدية كوّنت فكرة شاملة عمّن يحق لهم دخول السوق الجديد، ووصلنا إلى لائحة تضم 258 صاحب بسطة»، رأى مراد أن هذا الأمر جرى من دون أدنى تنسيق مع النقابة. وعلّق مراد على القرار بالقول: «إن النقابة تضم ما يزيد على 450 منتسباً، وهذا خير دليل على سوء التخطيط وانعدام الرؤية التي يجب أن تحترم مصالح أصحاب البسطات، وفي الوقت نفسه إرث المدينة الطبيعي والعمراني». وعن المشروع، لفت مراد إلى «أنه يبدو أن القصد من عملية سقف النهر هو إنشاء أماكن لتأجيرها لعدد من أصحاب البسطات، لا أحد يعلم كيف اختيروا». ومع أن عدد الأماكن محدود، وبالتالي حظ بعض أصحاب البسطات، فقد «احتفظت البلدية باثنين وعشرين محلاً من هذه الأماكن للمنتجات الحرفية التي ستتوزع إلى جانب بسطات الخضار، بالإضافة إلى عشرات من الأماكن التي كان من الممكن الاستفادة منها للبسطات، ويقال إنها مخصصة لزرع الأشجار». يتوقع مراد أن «تتفاقم الأزمة مع استكمال المشروع»، متهماً البلدية

لا يمكن التلاعب بهندسة النهر من دون الإضرار بالنسيج الكامل حوله
بأن «لديها نيات غير سليمة، وخصوصاً أن ما أُنجز لا يعدو كونه سقفاً من البلاستيك، أصلاً غير مخصص للبسطات كما كانوا يدعون». إذاً، أين أصحاب البسطات من هذا المشروع؟ يقول مراد: «غيرُ محسوبين، فلا أماكن تقيهم حر الصيف وبرد الشتاء». ولهذا، طالب أصحاب البسطات البلدية بإقامة «غطاء لكامل السوق، وتحقيق الاستقلالية لكل بسطة وإقامة مواقف للسيارات وتسهيل حركة الزبائن، إضافة إلى إنشاء سوق لكل البسطات في الموقع الذي يشغله السوق الشعبي المجاور للنهر وإعادة النظر في خطة السير في منطقة النهر، أي العمل على تحويل السير إلى الضفة الشرقية للنهر، وإلغائه على الضفة الغربية التي ستخصص للمشاة». وقد أكدت مصادر بلدية لـ«الاخبار» أن «هذا المشروع نوقش مرات عدة مع المعنيين، وعُقدت سلسلة لقاءات واجتماعات وأكثر من مؤتمر تنسيقي للاستماع إلى أية ملاحظات عليه، وقد نوقشت كل المقترحات، واتُّخذت كل الإجراءات اللازمة لإنجاحه». ورأى المعنيون أن «الاعتراضات على المشروع إنما هي تدخل في سياق المعركة الانتخابية المقبلة، وتدخل في سياق التشويش على رئيس البلدية»، وأن «هذه الحملة وأهدافها أضحت مكشوفة أمام الرأي العام الشمالي والطرابلسي».