بهدوء مرّت ذكرى مجزرة حلبا أمس. قبل عامين ذُبح 11 رجلاً في البلدة العكّارية. أهالي الشهداء يترقّبون ما ستؤول إليه القضية، فيما لا يزال القتلة أحراراً. أمّا ملف التحقيق فعالق لدى النيابة العامة التمييزية
رضوان مرتضى
حلبا 10 أيار 2008: هاجم مسلّحون مركز الحزب السوري القومي الاجتماعي في البلدة، قتلوا 11 شاباً بطريقة همجية، ثم نكّلوا بجثثهم في ساحة المركز. بشاعة المجزرة لم تُحرّك ساكناً لدى المسؤولين. مرّت سنتان اثنتان دون إحراز أي تقدّم يُذكر على صعيد التحقيق. القتلة، بحسب أهالي الشهداء، معروفون ويجوبون الشوارع صباحاً ومساءً.
الملف، من حيث الشكل، لم يُقفل بعد، بحسب مصدر متابع. لكنّ الدلائل التي تُثبت ذلك غير موجودة، إذ لا جديد في القضية حتى اليوم. اللافت في الملف وجود ادّعاء من قيادة الحزب القومي، بوكالتها عن أهالي الشهداء والجرحى، على 16 شخصاً بتهمة المشاركة في الجريمة، لكن لا موقوفين، رغم توثيق المجزرة بصور الهواتف التي تُظهر المرتكبين. وقد أجرت الشرطة العسكرية تحقيقاتها وتحركت النيابة العامة العسكرية، وحُقّق مع الناجين أيضاً، دون أن يضع ذلك كلّه موقوفاً واحداً خلف القضبان حتى الآن.
مشاهد القتل الجماعي والتنكيل بالجثث تكاد تُصبح أمراً مألوفاً في لبنان، لكنّ ذلك لم يمثّل حافزاً لدى المسؤولين لتطبيق العدالة ومحاسبة المرتكبين. في هذا الإطار، يرى مسؤول قضائي متابع لملف مجزرة حلبا أن الاعتبارات السياسية هي التي تحول دون معاقبة منفّذي الجريمة. ويشير المسؤول المذكور إلى محاولة من الأطراف السياسيين للتعامل مع هذا الملف كباقي ملفات أحداث 7 أيار، بمعنى طيّه ونسيانه.
من جهته، يرفض الحزب القومي طيّ الملف، مؤكّداً ضرورة معاقبة المرتكبين. ويرى عميد القضاء فيه، المحامي إيلي الغصان، أن «تمنّع القضاء عن القيام بواجبه في تطبيق العدالة، يفتح الباب واسعاً أمام الأهالي للجوء إلى الثأر». ويشير الغصان، وهو أحد وكلاء أهالي الشهداء والجرحى، إلى أن قيادة الحزب تضغط على أهالي الشهداء للتريّث بانتظار انتهاء التحقيقات وعدم اللجوء إلى الثأر. لكنه في المقابل يطرح تساؤلاً عن مدى صبر هؤلاء إذا شعروا بأن دماء أبنائهم ستضيع، دون أن يخضع القتلة للمحاسبة. ويلفت عميد القضاء في الحزب إلى «الكثير من الملفّات القضائية التي لُفلفت»، لكنه «يؤكّد رفض الحزب للتعامل مع هذا الملف كباقي ملفّات 7 أيار»، مشيراً إلى «وقوع مجزرة وجريمة ضد الإنسانية تفرض تحرّك الدولة».

ادّعت قيادة القومي على 16 شخصاً بتهمة المشاركة في الجريمة، لكن لا موقوفين

المعطيات المنقولة توحي بأن ملف مجزرة حلبا، الذي لفت نظر العديد من الجمعيات الإنسانية نظراً إلى فظاعة الجريمة، قد يُطوى. وفي هذا الإطار، يعدّد نديم حوري، الناشط في منظمة هيومن رايتس ووتش، أسماء عدد من المجازر التي حصلت في لبنان ونُكّل بجثث الضحايا فيها ليقول: «يجب على النيابات العامة ووزارة العدل تقديم تقارير عن مدى تقدّم التحقيق في هذه الملفّات». ويشير حوري إلى أن هناك تحقيقات قد أُجريت ومعلومات قد جُمعت، متسائلاً عن النتيجة. ويرى حوري «أن طيّ ملفات عدد من الجرائم يمثّل خطراً على مستقبل لبنان»، باعتبار أن العنف يولّد العنف.
وقعت الجريمة التي استحقّت تسمية مجزرة، ففضّل الحزب أن تجري الشرطة العسكرية التحقيق بسبب الانحياز الذي كان موجوداً لدى قوى الأمن ولا يزال، بحسب قيادي في الحزب القومي. بدأت الشرطة العسكرية التحقيق، فأصبح الملف بيد مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي جان فهد. وبما أنه لا يمكن الادّعاء الشخصي أمام المحكمة العسكرية لاستحالة ذلك قانوناً، أصدر القاضي فهد قراره بعدم صلاحية الدعوى، فأُحيل الملف على النيابة العامة الاستئنافية في الشمال لدى القاضي عمر حمزة منذ نحو سنة. ولمّا رأى الحزب السوري القومي الاجتماعي أن الظروف الاجتماعية والأمنية والسياسية قد تمثّل عائقاً أمام سير عمل المحكمة في الشمال، تقدّمت قيادته، عبر وكلائها، بطلب نقل الملف إلى النيابة العامة التمييزية في بيروت لدى الرئيس سعيد ميرزا منذ نحو شهر، والملف لا يزال لدى القاضي ميرزا بانتظار الرد أو القبول.
(شارك في الإعداد غدي فرنسيس)


لقطة

أصدر الحزب السوري القومي الاجتماعي بياناً في ذكرى مرور سنتين على مجزرة حلبا التي قضى فيها أحد عشر شاباً من الحزب، توجه فيه بتحية إكبار الى شهداء المجزرة. وطالب الحزب في بيانه القضاء والدولة «بضرورة التعامل بجدية مع قضية مجزرة حلبا»، ورفض كل «المداخلات السياسية التي تضغط على القضاء بغية لفلفة ملف هذه المجزرة الرهيبة والموصوفة بحجة ربطه بملفات أخرى».
وبعدما تساءل بيان الحزب عن القصاص، شدّد على ضرورة تبيان «الأسباب التي تمنع القضاء من تحريك الدعوى العامة وملاحقة الفاعلين في هذه المجزرة، علماً بأن ملفها يرقى إلى كونه جريمة ضد الإنسانية». كذلك أكّد الحزب القومي في بيانه أنه «لن يطوي أبداً صفحة هذه الجريمة النكراء ضد أحد عشر قومياً اجتماعياً عزلاً من السلاح سقطوا شهداء فيها»، مجدداً مطالبة الدولة بأبسط واجباتها في إعمال حكم القانون من أجل استئصال آفة القتل والإجرام والتنكيل التي تكررت مآسيها الخطيرة في لبنان خلال العقود الأخيرة.