فقهاء أجازوا زواج المسلمة بمسيحي• هناك توظيف للسياسة في أسلوب الحجاب
• العادات والتقاليد تطور الرؤية الدينية

مهى زراقط
لا جديد في الأسئلة الدينية التي تطرحها هذه المقابلة، إلا في أنها تقارب مواضيع لا تزال من دون إجابات مقنعة، وخصوصاً في ما يتعلق بوضع المرأة في الإسلام. هي محاولة لمتابعة نقاش كان أدونيس قد أعاد إثارته قبل أسبوع في بيروت

انفعلت خلال اللقاء مع أدونيس، هل لأنه انتقد نظرة الإسلام إلى المرأة؟
ـــــ لا. ليس هذا هو السبب، لأنّ ما قاله أدونيس خلال اللقاء ليس جديداً، وكان قد كتبه سابقاً، لكن بطريقة تثير عندنا الأسئلة وتحرّضنا على المعرفة. أما الطريقة التي قدّم كلامه بها فكانت حادّة، فيها مسبّقات وأستذة وعدم اعتراف بأن الناس تعلّمت.

لكنه طرح أسئلة حقيقية وواقعية نطرحها يومياً على أنفسنا، وخصوصاً في ما يتعلق بالنص الديني وعلاقته بالمرأة.
ـــــ لم يستفزّني هذا الكلام، لأن من المهم طرح إشكالية النص. ما استفزّني أنه في حديثه عن الدين عموماً، حاول إفهام الجميع أنه يقصد بالدين، الإسلام لا أيّ دين آخر. فإما أنه ينتقد الدين ككلّ كما قدّم محاضرته، وإما أنه لم يجد ما يُنتقد إلا في الإسلام. هذا التمييز الذي أبداه هو الذي يسبّب مشكلة، لأنه يغري ضعاف النفوس منّا للردّ عليه بطريقة سلبية، ويغري ضعاف النفوس من غيرنا للتأسيس لثقافة سجالية جديدة.

فلنتحدّث عن الإسلام ما دام الموضوع قد فُتح للنقاش ولم يستوفِ حقّه. هل تشعر، كرجل دين، بمشكلة عندما يكرّر عليك السؤال عن نظرة الإسلام إلى المرأة من خلال بعض الآيات القرآنية، كالآية التي استشهد بها أدونيس، وفيها وصف للنساء بأنهن «متاع الحياة الدنيا»؟
أنا أيضاً عندي ألف سؤال عن فقه المرأة في الإسلام
ـــــ نعم. هناك مشكلة. السؤال عن المرأة في النص يوجعني أحياناً. أنا أيضاً أريد جواباً عن ألف سؤال عن فقه المرأة في الإسلام. المشكلة أن الفقهاء عموماً، علمهم منطقي صوري وليس جدلياً. النص عندهم مطلق وقراءته مطلقة، حتى لو كان فيه فضاء تأويلي. أما الجواب الذي أقدّمه لنفسي، فيأخذني إلى القول إن الآيات التي تتعاطى مع المرأة في القرآن تنقسم إلى قسمين. قسم جزئي حدثي، مركّب على حالة ثقافية مجتمعية. وقسم آخر فيه مساواة مع الرجل. رأيي أن القسم الثاني هو الأصل أو الكليّ، وعلينا تحكيمه في الجزئي. و بناءً على ذلك، يجب فهم مصطلح المتاع استناداً إلى الثقافة المجتمعية التي كانت سائدة تاريخياً، وخصوصاً أن القرآن كنصّ ليس خارج التاريخ.

أدونيس سأل أيضاً عن سبب عدم السماح للمرأة المسلمة بالزواج بمسيحي؟
ـــــ في الحقيقة ما يحكم هذه المسألة ليس الدين وحده، بل المجتمع أيضاً، وأحياناً أولاً. لأن الإسلام يجيز زواج المسلم بمسيحية مع بقائها على دينها. وإذا لم يكن هناك كنيسة قريبة من بيتها، فعلى الزوج أن يقيم لها مذبحاً في بيته. هذا يعني أن الفقه الإسلامي ليس مناطاً للتحريم. لكنّ الفقهاء الذين يرفضون زواج المسلمة بمسيحي، يبرّرون ذلك بعدم اعتراف المسيحي بالإسلام، ما قد لا يتيح للمرأة المسلمة ممارسة عباداتها بحرية. وهذه مشكلة بين المذاهب المسيحية في ما بينها أيضاً. لكن بعيداً عن هذا الأمر، أنا أطلب النظر إلى الواقع. اليوم هناك العديد من الزيجات المختلطة التي يتولى فيها رجال الدين المسلمون عقد القران، شرط إسلام الرجل ولو لفظياً. وهذا يعني أن المسألة قابلة للبحث، وهناك عدد من الفقهاء المعاصرين يقولون بجواز الزواج بين المسلمة والمسيحي ولم تعدّ فتواهم انحرافاً أو خروجاً عن الدين. فالثقافة المجتمعية وأنماط العلائق تطوّر الرؤية الدينية وهذا ليس عيباً.

هل ينسحب هذا الأمر على الحجاب؟
ـــــ أنا لا أسمّيه حجاباً، بل ستراً شرعياً. لأن الحجاب هو القطيعة الكاملة مع الرجل، وهذا ما لم يمارسه الرسول (ص) ولا الصحابة. ومن المفيد القول إن الستر الشرعي لم يتأسس في النص القرآني. هو موجود قبل ذلك في مكة والمدينة. الآيات القرآنية حكت عن شيء موجود، ونبّهت إلى أهمية تحسينه، علماً بأنه يمكننا أن نتحدّث عن ستر وظيفي، يحكي عنه بعض الفقهاء، وخصوصاً المرحوم الشيخ عبد الله العلايلي، وكلّ فقهائنا تقريباً يتكلمون عمّا يمكن أن يدعى التسامح مع نساء الريف، إذا فرض عليهنّ عملهنّ إظهار بعض نواحي الجسد كالرجل أو الذراع أو خصلة من الشعر.
ويمكن الاستطراد إلى توظيف السياسة حتى في أسلوب الستر. ألفت النظر مثلاً إلى أن الفقه الحنفي لا نقاب فيه، والطالبان أحناف فلماذا يفرضونه. مسألة الحجاب تبرز فيها إذاً السياسة والثقافة المجتمعية. والأخيرة، إذا كانت مركبة أو مختلطة، تعدّل الأحكام الفقهية مسلكياً. في بنغلادش مثلاً، المرأة هي الأكثر ظهوراً، وهي متديّنة، لكن من دون عمومية الستر الشرعي، ولكن مع درجة عالية من الحشمة. ربما كلما لاحظنا درجة التحضّر، يزيد فهم الإسلام وتتراجع قليلاً مسألة التشدّد والتشديد.
وهنا أيضاً أحبّ أن أطرح سؤالاً، أبحث له فعلاً عن جواب ولا أقصد التحدّي. الفقهاء يحكون عن عدم وجوب ستر الأَمة، أي الرقيق، حتى في الصلاة. فهل يعني التسامح في سترها أن الستر عموماً غير واجب؟ هذا سؤال قد يطرحه أي قارئ لتراثنا وفقهنا؟

تطرح الأسئلة أكثر من أدونيس...
ـــــ أنا أنصح بأن تبقى الأسئلة موجودة. لا رجل دين، إلا القلة القليلة، إلا وعنده همّ تكييف قضية المرأة بين الفقه المتعارف والمشهد العام، وخصوصاً أن الثقافة المجتمعية تزيد هذه الأسئلة. وتكمن المشكلة عندما تأتي السياسة لتقدّم إجابات غير حقيقية وغير معرفية. عندها قد يوافق رجل الدين على أي إجابة، ليس لأنه غيّر فكره، بل لأن هناك حاجة سياسية مثل الاستقطاب أو الولاء. لكني أفترض أن عادة البلد وسنّته، تطوّران علاقاته، هناك أمور تطوّر في المفاهيم وقد أوصلت إلى تعديل في المنظومة الفكرية.

متفائل؟
ـــــ لا أقول هذا بتفاؤل ولا بتشاؤم. فقط أوصّف وأدعو إلى الواقعية وعدم التعامل مع الدين كأيديولوجيا.

قليلون من رجال الدين يتحدثون بهذا المنطق، لهذا ردّ عليك أدونيس بالقول إنك تمثّل حالة فردية.
ـــــ ردّ عليّ كذلك وفي اعتقاده أنه يرضيني، علماً بأنّ هذا ليس صحيحاً. نحن لسنا 10 أو 15 شخصاً. هناك ظاهرة راكمت أسئلة في الوسط الفكري الإسلامي، في إيران والمغرب وتونس ولبنان والسعودية، إلخ.

ليس لدينا هذا الانطباع. نحن نراكم أفراداً.
لسنا أفراداً بل ظاهرة تراكم أسئلة في الوسط الفكري الإسلامي
ـــــ ربما لأنه لا مؤسسة تجمعنا، كما أن مشاكلنا مختلفة وأسئلتنا مُوطّنة وابنة بيئتها. لكن يمكنني الآن تسمية مجموعة كبيرة مثل محمد أركون، نصر حامد أبو زيد، حسن حنفي، محمد الطالبي، كمال عبد اللطيف، تركي الحمد، ملكيانو شبشتري، إلخ. هذه الأسماء التي يوردها الفرد بسرعة، وهناك آخرون طبعاً. كلّهم موجودون يومياً في الصحافة.

تحدّث أدونيس أيضاً عن الردّة، وسأل «هل يحق لي اليوم أن أقول إني لست مسلماً». هل من إجابة؟
ـــــ نحن نعيش معاً، وعلينا أن نوسّع مساحة المشترك. لا يجوز أن نلغي الاختلاف لأنه مصدر حيوية. نريد أن نعيش وهذا يقتضي أن نتفق. فلنقرأ معاً النص الديني على ضوء ما يستجد من معرفة ونمط علائق، لأن النص مرن وفضاء التأويل فيه واسع. بالنسبة إلى الردّة، بحثنا في أوساطنا، مع المرحوم الشيخ محمد مهدي شمس الدين مسألة الردّة، وزواج الملحدين. في الفقه الإسلامي عبارة «لكلّ قوم نكاحهم»، وهذا يعني أن لكلّ أن يختار نمط الحياة الذي يريده، شرط ألّا يحارب الإسلام، وأضيف أن يكون تحت سقف القانون.

هل هذا الكلام قابل للتطبيق؟
ـــــ لا شيء قابل للتطبيق إذا استعجلنا. المسألة مركّبة وتراكمية، وتحتاج إلى حكمة وصبر. المطلوب ألّا نهدر الوقت، لكن ألّا نستعجل أيضاً. والأهم أن نستمرّ في طرح الأسئلة.


إضاءة