ليست هي المرة الأولى التي يصحّح بها مواطنون مذهبهم في سجلات النفوس، إما بإعادة الأمور إلى نصابها أو بإجراء تغيير جذري. لكن ما يحصل في طرابلس وعكار لجهة إقدام مئات العلويين على «تصحيح» مذهبهم مثّلت مفارقة تستدعي الرصد والمتابعة
طرابلس ــ عبد الكافي الصمد
خلال الأشهر القليلة الماضية، شهدت دوائر النفوس في طرابلس وعكار تزايداً لافتاً في تقديم طلبات تصحيح المذهب التي يقوم بها مواطنون من الطائفة العلوية بهدف استعادة مذهبهم الأصلي وإدراجه في خانة إخراجات قيدهم، بعدما كانوا قد تحوّلوا في سنوات سبقت الاعتراف بهم رسمياً أوائل التسعينيات، وتنظيم شؤونهم بعد تأسيس المجلس الإسلامي العلوي، إلى مذاهب أخرى بهدف تسيير أمورهم ومصالحهم الشخصية.
هذه الأمور يشرحها نائب رئيس المجلس الإسلامي العلوي محمد عصفور، بتوضيحه أن «ما يحصل هو تصحيح مذهب مواطنين علويين كانوا في السابق، من أجل تنظيم أمورهم الخاصة في المحاكم أو حصولهم على وظائف رسمية، يتحوّلون إلى أحد المذهبين السنّي أو الشيعي».
لكن، لماذا يحصل ذلك الآن، وما الهدف من استعادة هؤلاء مذهبهم الأصلي؟ يوضح عصفور لـ«الأخبار» ذلك بإشارته إلى أن «أبناء الطائفة، وخصوصاً الشبان منهم، بدأوا يقومون بهذا التصحيح من أجل التقدم بطلبات للتطوع في الجيش أو القوى الأمنية، أو التقدم إلى وظيفة رسمية».
لكن، ما لم يذكره عصفور يوضحه مختار محلة باب التبانة عبد اللطيف صالح، وهي المحلة التي تقع ضمنها إدارياً منطقة جبل محسن حيث تقطن أغلبية العلويين المقيمين في طرابلس، إذ يشير إلى أن «الوظائف الرسمية موزعة بين الطوائف والمذاهب على شكل «كوتا» من أجل إيجاد توازن طائفي ومذهبي، ولذلك فإن فرصة أي شاب علوي يتقدم للوظيفة ترتفع تلقائياً، وخصوصاً أن هناك كفاءات لا تستطيع أن تحظى بوظيفة لأن أصحابها ليسوا علويين وفق سجلات النفوس، وإن كانوا كذلك في حقيقة الأمر»، كاشفاً لـ«الأخبار» أن هناك «أكثر من 200 طلب تصحيح مذهب حصلت في السنتين الماضيتين، وأن هذا العدد قابل للارتفاع خلال الأشهر المقبلة».
عملية تصحيح المذهب التي بدأت منذ عام 2003 على حد قول عصفور، «استمرت بلا توقف، ولكن طبيعياً وعادياً، ولم تكن ترتفع إلا عندما كان بعض الشبان يحضّرون أنفسهم للتقدم إلى وظيفة رسمية، وتوقعهم أن انتسابهم إلى المذهب العلوي يرفع حظوظهم في النجاح والقبول أكثر».
طلب تصحيح المذهب كما عرضه المختار صالح لـ«الأخبار»، بعدما رفض أغلب الشبّان التحدث بالموضوع علناً مفترضين أن ذلك يؤثر على إمكانية حصولهم على وظيفة رسمية، يضم إلى جانب إخراج قيد إفرادي يفترض ألا يكون قد مر عليه أكثر من شهر، محضر إبدال المذهب الذي يجب أن يوقّع عليه شيخان من الطائفة العلوية ينتدبهما الملي للطائفة، ثم يحال المحضر إلى مأمور نفوس المحلة المعنية؛ إضافة إلى احتواء الطلب شهادة قبول في الطائفة العلوية صادرة علن المجلس الإسلامي العلوي، وتتضمن شهادة القبول عبارة تشير إلى أن الشخص المعني «قرر أنه يرغب بإبدال مذهبه من مسلم (سني أو شيعي) إلى مسلم علوي، وذلك بملء إرادته واختياره، طالباً إصدار قرار بذلك شرط أن ينفذ هذا القرار في دوائر النفوس قبل تسجيله في المحاكم الشرعية العلوية».
وعن آلية تقديم طلب التصحيح يوضح عصفور أن «أي شخص فوق سن الـ18 يقدم طلبه بمفرده، أما إذا كان قاصراً فإن ولي أمره هو من يقدم الطلب»، لافتاً إلى أن طلب التصحيح «يُعدّ في المجلس الإسلامي العلوي استناداً إلى سجلات نفوس موجودة عندنا مشابهة لسجلات دوائر النفوس».
وكي لا يفسر الأمر بصورة غير صحيحة أو أن يثير هواجس مذهبية في طرابلس وغيرها، يوضح عصفور أن «ما يحصل هو تصحيح مذهب، وليس انضمام مواطنين من مذاهب أخرى إلى المذهب العلوي»؛ وهو ما يؤكده صالح بدوره عندما ينفي أن يسبب تصحيح المذهب «حدوث أي ردة فعل مذهبية، لأن من يصحّحون مذهبهم علويون يطلبون العودة إليه، عدا أن المجلس الإسلامي العلوي لن يتبنى أي شخص لا يثبت مئة في المئة أن جذوره وأصوله علوية».
ويكشف صالح أن «معلومات تقريبية تشير إلى أن نحو 5 آلاف شخص يعملون على استعادة مذهبهم العلوي، موزعين بين طرابلس حيث يتركز وجود ثلثي العلويين في لبنان تقريباً، وفي عكار نحو 25% وفي الكورة وغيرها، وسيُبدأ بذلك بعد الانتخابات البلدية

200 طلب تصحيح مذهب حصلت في السنتين الماضيتين وهذا العدد قابل للارتفاع
والاختيارية، على أن يتولى المجلس الإسلامي العلوي تكاليف تقديم الطلبات التي تصل تكلفة كل طلب منها إلى نحو 23 ألف ليرة».
ويرى صالح أن الهدف من العملية هو «رفع نسبة الكوتا العلوية في سجلات النفوس والناخبين وتعزيز موقعنا، والمساعدة في التقدم للوظائف الرسمية»، مشيراً إلى أنه «في الانتخابات النيابية الأخيرة أشارت الأرقام الرسمية إلى أن نحو 6300 علوي اقترعوا في طرابلس، لكن الصحيح أن العدد ناهز الـ10 مقترعين، فالبقية هم علويون مسجلون في خانات مذاهب أخرى».
وأوضح صالح أن «هناك عائلات معروفة في باب التبانة أنها علوية، ولكنها مسجلة في سجلات النفوس كسنية أو شيعية»، ضارباً أمثلة بـ«عائلات الأحمد والعلي وديوب وغيرها مسجلة في سجلات النفوس على أنها شيعية، وكذلك عائلات سلوم والرفراف والجمال هي مسجلة سنّية». وإذ لفت صالح إلى أن العلويين قبل إنشاء مجلسهم الملي مطلع التسعينيات «لم يكن يحق لهم الترشح للانتخابات النيابية، وهو أمر لم يحصل إلا بعد إقرار اتفاق الطائف»، أكد أنه «لا نستطيع أن نجبر أحداً على تصحيح مذهبه إذا رفض، لكن هناك أكثرية تراجعنا وتطالبنا بذلك، وبات اليوم تنفيذ ذلك أسهل بعد وجود المجلس الإسلامي العلوي، بعدما كانت هذه العملية قبله صعبة ومعقدة، وهي تحتاج اليوم إلى نحو 6 أشهر»، لافتاً إلى «وجود تسهيلات في دوائر النفوس بعد إعطاء وزارة الداخلية تعليمات بهذا المعنى».