معرض وظائف؟ الشباب اللبنانيون في أمسّ الحاجة إلى وظائف. هكذا، تعوّد الطلاب في السنوات الماضية موضة المعارض، التي تأتي فيها الشركات إلى جامعاتهم. لكن، بعض طلاب الجامعة الأميركية أعلنوا، أمس، رفضهم مشاركة الشركات التي تدعم إسرائيل. وفيما «قُمعت» أصواتهم إدارياً، لاقت صدىً طالبياً
أحمد محسن
أهلاً بكم في «الجوب فاير». الشباب سيحظون بالوظائف. هكذا يعتقد الجدد منهم. القدامى لا يعيرون الأمر انتباهاً. لكن على الأقل، هذا هو الهدف المعلن من المعرض، إذ تشترك فيه مئتا مؤسسة متعددة الجنسيات، إضافةً إلى مؤسسات تعمل في ميادين الهندسة والإعلام والتربية والاستشفاء والخدمات. إذاً، كل شيء موجود في المعرض. الطلاب ينتظرونه.
بدأ الأمر بطريقة بديهية. نصبت المنصات، وبدأت الشركات الكبرى بعرض عضلاتها المالية والوظيفية. لكن ثمة جديد هذه المرة في المعرض الخامس عشر. هناك أصوات ترتفع. هناك طلاب يحاولون أن يقولوا أمراً ما. هذه المرة، لم تكن الأصوات المعترضة كلاسيكية. لم يتحدث أحد عن يأسه من هذه المعارض، وفرصة الحصول على وظيفة خلالها، كما درجت العادة في السنوات الفائتة. هذه المرة، كان اعتراضهم جدّياً. وعفويّاً، تجمعت المجموعات الطالبية المعادية للتطبيع، وأطلقت الحملة ضد الشركات المشاركة، التي تتعاون مع إسرائيل، وتدعمها مادياً. الطلاب يقولون إنهم يملكون وثائق عن ذلك، فيما رفض إداريون في الجامعة الحديث عن الموضوع من أساسه. وفي رأيهم، من شأن ذلك التقليل من هيبة الجامعة. استمر الطلاب بمحاولاتهم. أرادو الحوار مع الشركات الآتية. حتى الحوار ممنوع. الشركات باقية كمثيلاتها. لم ييأس الطلاب، وقبل انتصاف الظهيرة، تجمعوا على مقربة من مبنى «الوست هول» الشهير. وهناك أيضاً تعرّضوا لبعض المضايقات. الأمن والإدارة أولاً، ثم بعض «الليبراليين المتحمّسين». أحدهم نعت المعتصمين بغير الحضاريين. وتوالت الاتهامات، فقال آخر إن رافضي التطبيع يشوّهون صورة الجامعة. تناسى أن اعتصام الطلاب كان سلمياً وجدّياً، واقتصر على توزيع بعض المنشورات، ومحاولة الحوار. الحوار وحسب. وفيما تعاطف أغلب الطلاب مع الطروح الرافضة للتطبيع، لم تخلُ بعض التعليقات من الفجاجة. أحد مناصري التيار الوطني الحر، كما يعرفه طلاب في الجامعة، لم يرقه الأمر نهائياً. اقترب من الطلاب المعتصمين، وحاول السخرية منهم. لم يكتفِ بذلك، بل أعلن: «أنا مع إسرائيل». استفزّهم. لكن ثقته الزائدة بنفسه لم تمنعهم من ضبط أعصابهم، ومتابعة اعتصامهم سلمياً.
رغم الشحن الإعلامي، وقمع الإدارة ومجلس الطلاب للمعتصمين والتعرّض لهم بالدفع والركل، نجح هؤلاء في إحداث بلبلة، وفي إبعاد جزء كبير من الطلاب عن الشركات التي يتهمونها بدعم إسرائيل مادياً وعسكرياً. الطلاب لديهم وثائق تفضح رئيس شركة لوريال، جاد بوبر. يتهمونه بأنه رئيس الغرفة التجارية الإسرائيلية ـــــ الأوروبية. وشركة لوريال إسرائيل تصنع مواد بحرية ميتة وتصدّرها إلى 22 بلداً. شركة فيوليا للمياه، افتتحت محطة تحلية المياه في عسقلان جنوبي تل أبيب، بعد توقيع عقد لمدة 25 عاماً في أيلول 2001 مع شركائها الإسرائيليين، في أعقاب دعوة دولية لنشر العطاءات من قبل الحكومة الإسرائيلية. شركة نستلة السويسرية تملك 50.1٪ من صناعة الغذاء الإسرائيلية. وفي كانون الأول 2000، أعلنت أنها ستستثمر ملايين الدولارات لتشغيل مرافق جديدة للبحث والاستثمار في إسرائيل. شركة إيلي ليللي أيضاً قررت إنشاء فرع في إسرائيل. إضافة إلى هؤلاء، هناك جنرال إلكتريك، المتهمة بدعم الاحتلال الإسرائيلي عسكرياً، إلى جانب الدعم الاقتصادي والمالي.


المنظّمون فرحون بلوريال ونستلة

لفت عميد الطلبة في الجامعة الأميركية ببيروت مازن كسرواني ومنسّقة معرض «الجوب فاير» في الجامعة نفسها مريم غندور، إلى أن المعرض ينجح في توظيف المزيد من متخرّجي الجامعة في شركات متفوّقة ومعروفة. وقالت غندور إن هناك شركات ذائعة الصيت مثل لوريال ونستلة، من بين 146 شركة تشارك في المعرض، منها 65 شركة متعددة الجنسيات، و49 شركة إقليمية و27 شركة محلية. وستُجرى خلال المعرض ثلاثون مقابلة وواحد وثلاثون تقديماً للشركات. وأشارت غندور إلى أن تنظيم المعرض تطوير مهني للطلاب الذين شاركوا فيه فتعلموا المهارات الناعمة والقيادة والاتصال. ووزّع الطلاب الباحثون عن عمل سيراً ذاتية لهم على ممثّلي الشركات.



... وإسرائيلية في بيروت



المكان: جامعة الحكمة، بيروت. الزمان: 20 نيسان 2010 ــ اليوم الثاني من مؤتمر دراسة وضع المياه في الشرق الأوسط، ضمن برنامج مخصص لطلاب الماسترز. الطالبة تعلن: أنا إسرائيلية

صدفة. يصرّ بعض الطلاب على أنها صدفة. دهش بعضهم حين أعلنت الطالبة أنها إسرائيلية (دخلت بجواز سفر يوناني). البرنامج أكاديمي، أعدّته جامعة الحكمة، بالتعاون مع جامعة باريس11 ـــــ كلية جان مونيه، على أن يليه أسبوع سياحة للزائرين. و«صادفت» أيضاً، أنّ الطلاب اليهود الآخرين في البعثات، جميعهم اختاروا طلاباً لبنانيين وعرباً، ليكونوا شركاء لهم، من بين عشرات الطلاب الأجانب الآخرين. وكان موضوع النقاش بحد ذاته نقطة صراع شائكة في الأساس مع إسرائيل: المياه. نحن نتحدث عن مياه لبنانيّة مسلوبة هنا. أكثر من ذلك، إن خلاصة المشروع الذي سيتناقش فيه الطلاب، ستقدّم إلى الاتحاد الأوروبي. حينها، سيُقال هناك آراء طلاب لبنانيين: ثمة لبنانيون موافقون على ذلك. إذاً، ثمة سؤال: كيف قرأ هؤلاء مشكلة المياه في الشرق الأوسط؟
في الأساس، جرى اللقاء بإشراف وزير الشؤون الاجتماعية، سليم الصايغ، بصفته الأكاديمية في الجامعة، لكونه أسّس هذا القسم (الدبلوماسية واستراتيجية التفاوض). أما من الناحية التقنيّة، فالبرنامج أكاديمي صرف. تقمّص طلاب الماسترز من جامعة الحكمة وباريس 11 وجامعة عبد المالك السعيدي في طنجة أدوار ممثلي دول حوض البحر الأبيض المتوسط. وسعت المفاوضات التي دامت يومين للوصول إلى اتفاقية تحدد التعاملات المتعلقة بالمياه بين الدول المتوسطية. كانت مهمة الطلاب أداء الأدوار بكل «موضوعية» مع احترام المعطيات السياسية الحقيقية، لخلق نص قانوني يطرح المشاكل الواقعية والتشنّجات المتوسطية المتعلقة بالمياه. توصّل الطلاب في هذه المفاوضات إلى نصّ يضم مقترحات حلول اقتصادية، تقنية وسياسية، صُدّق عليها بالإجماع، مع احترام القانون الدولي والبروتوكولات الدبلوماسية بالإجماع.
خلال المؤتمر، تقلّصت مساحة «الموضوعية» تدريجاً. اختار كل طالب بلداً يمثّله. يناقش باسمه بعد أن يدرس تاريخه وواقعه

استبدل اسم «إسرائيل» عن اللافتة بآخر هو «سويسرا» للتمويه

الجيوسياسي. ثمة طلاب اختاروا فرنسا، وآخرون اختاروا تركيا، أو العراق، أو سوريا، وكان هناك طلاب أوروبيون طبعاً. وهنا المفاجأة الهائلة. إسرائيل كانت ممثّلة. صحيح أن المنظّمين راعوا حساسية الوضع. تفادوا وضع لافتة مكتوب عليها «إسرائيل»، أمام الطالب المغربي الذي تبنّى وجهة النظر الإسرائيلية في النقاشات الأكاديمية. لطّفوا الأمر قليلاً، واختاروا أن تكون اللافتة باسم سويسرا.
التفاصيل مختلفة. ناقش الطالب باسم إسرائيل. غريب فعلاً أن يجتمع لبنانيون ويهود وعرب... وإسرائيلية لدراسة أطر الدبلوماسية في موضوع شرق أوسطي حساس تحديداً. بعد التدقيق في الصيغة النهائية، تبيّن أن لبنان والعرب تفاوضوا مع إسرائيل، أو من مثّلها، تحت غطاء أكاديمي. تطبيع في إطار أكاديمي مرح. تبيّن أن الطلاب اللبنانيين قبلوا أن تتولى محكمة دولية تنظيم سرقة إسرائيل المياه اللبنانية. إضافة إلى ذلك، مثّل وجود طالبة إسرائيلية في بيروت خرقاً أمنياً، إذ أعلنت الطالبة ذلك بسعادة، وبقيت أسبوعاً تتجول بين بيت الدين ودير القمر وجعيتا، وزارت حانات الجميزة وشربت حتى الثمالة.
النتيجة صبّت في مصلحة إسرائيل في الحالتين: «التمرين» على التطبيع أولاً، والخلاصة التي لم تذكر كلمة سرقة، أو استيلاء، في حديثها عن المياه اللبنانية.
أ. م.