محمد نزالرغم التطور التقني الذي شهده العالم، ودخول القرن الواحد والعشرين وما حمله من حداثة، فإن التيار الكهربائي ما زال ينقطع عن المواطنين في لبنان.
ترى ما السبب؟ سؤال يطرحه اللبنانيون باستمرار، علماً بأن أغلبهم يعزون الأمر إلى «السرقة والنهب والفساد». قبل أيام، صدر حكم قضائي عن محكمة الجنايات في بيروت، تضمّنت وقائعه نموذجاً عن أحد أسباب العتمة التي ما زالت تخيّم على منازل المواطنين، وعن أسباب «الدّين والعجز المالي» في قطاع الكهرباء والطاقة.
أرسل محافظ الشمال في عام 1991 كتاباً إلى النيابة العامة الاستثنافية، تضمّن عرضاً للأوضاع المتردية في ما يتعلق بتأمين التيار الكهربائي لمنطقة طرابلس والشمال عموماً، إضافة إلى الشائعات التي كان يرددها المواطنون عن شركة كهرباء «قاديشا»، من أهمال في الصيانة والمراقبة، والأهم من ذلك، عن «ضياع كميات من مادة الفيول أويل». بدوره، أرسل النائب العام الاستئنافي الكتاب إلى مفرزة طرابلس القضائية لإجراء التحقيق اللازم.
وبنتيجة التحقيقات، تكشّفت فضائح لم يكن أصحابها يتوقعون أنها ستُكتشف يوماً، نظراً إلى ضعف الدولة ومؤسستها آنذاك. فقد تبيّن أن كلاً من مرسيل (اسم مستعار – 47 عاماً) وطوني (اسم مستعار – 31 عاماً)، اللذين كانا يعملان في المحطة المذكورة، زوّرا وثيقة «إيصال استلام» مادة الفيول أويل، وأنهما تدخلا لتسهيل سرقة كميات من هذه المادة، من قبل كل من خالد (36 عاماً) وحسن (57 عاماً).
استحصل على 57 طناً من «الفيول» بسعر 110 دولارات للطن الواحد
وبسماع إفادة حسن، قال إنه يملك مصنعاً لتصنيع الأدوات الزجاجية في منطقة البداوي، يعمل بواسطة مادّة الفيول، وإنه استحصل من خالد على المادة من خلال صهاريج، بلغت كميتها 57 طناً بسعر 110 دولارات أميركية «دون أن يستوضح عن المصدر»، بحسب إفادته. من جهته، قال خالد إنه يعمل سائق صهريج، وينقل يومياً حوالى 35 ألف ليتر من مادة الفيول من مصفاة طرابلس بموجب فاتورة، وبعد تفريغ الحمولة في معمل «الحريشة» يوقّع الموظف المنتدب من قبل كهرباء «قاديشا» على الفاتورة، ويسلّم مصفاة طرابلس نسخة عنها. وأورد أن بعض سائقي الصهاريج يتواطأون مع الموظف المسؤول، لإبقاء جزء من الحمولة في الصهريج أو حتى لإبقاء الحمولة بكاملها، إذ يعمد السائقون إلى نقلها إلى بعض المؤسسات الخاصة لقاء مبالغ مالية.
وبالتحقيق مع مرسيل (المسؤول في الشركة)، الذي أوقف بعد تواريه، أنكر ما أسند إليه لناحية تزوير «إيصال الاستلام»، مدّعياً بأن سائق الصهريج تمكن من الخروج من الشركة دون تفريغ حمولته، رغم وجود عناصر من قوى الأمن والجيش اللبناني.
وبعد 19 عاماً على بداية التحقيق مع المذكورين، وبناءً على المعطيات والأدلة الواردة في ملف القضية، أصدرت محكمة الجنايات في بيروت برئاسة القاضية هيلانة اسكندر وعضوية المستشارين وليد القاضي وهاني الحجّار، حكماً حضورياً قضى بسجن كل من مرسيل وطوني لمدّة سنة واحدة. وحكم غيابي بحق كل من خالد وحسن قضى بعقوبة الأشغال الشاقة لمدّة 7 سنوات، مع التأكيد على إنفاذ مذكرة إلقاء القبض الصادرة بحقهما.