لاقينا بـ16 أيار عالشط اللي بتختار». يخيّل للمرء أنها حملة لإعادة الحق إلى المواطن بارتياد الشاطئ الذي يريد، قبل أن يُفهمه الأقربون أنها حملة لتنظيف الشاطئ. الدولة اللبنانية كانت هناك أمس، برؤسائها ووزرائها، عند شاطئ الرملة البيضاء. أمّا في سوليدير، فحدث من نوع آخر
بسام القنطار
فاجأ الرئيس ميشال سليمان، رئيس حكومته سعد الحريري، بحضوره أمس إلى شاطئ الرملة البيضاء للمشاركة مع عدد من الوزراء والنواب في إطلاق حملة تنظيف الشاطئ اللبناني، التي تجري منذ سنوات عدة تحت اسم حملة «الأزرق الكبير». المفاجأة الرئاسية دفعت الوكالة الوطنية للإعلام إلى وصف الحدث بأنه «عرس وطني، وإنجاز جديد يضاف إلى إنجازات الدولة اللبنانية والحكومة ومبادراتها بتحريك الأنشطة الشبابية والبيئية والرياضية، وتحديداً بعد مباراة كرة القدم في المدينة الرياضية، التي جمعت الأطياف السياسية، وأعطت صورة حضارية عن الوضع اللبناني».
بعيداً عن حماسة الإعلام الرسمي يسجّل لهذه الحملة أنها تسهم في رفع الحس البيئي لدى الشباب، لكن مكمن الخلل فيها، يكمن في تصويرها أن مشكلة الشاطئ فقط هي في رمي الناس لنفاياتهم، وأنّ هذه المشكلة تنتهي بمجرد توقّفهم عن ذلك، «وتنظيف» الأمكنة، وهي بالتالي لا تلامس جوهر المشاكل ومصدرها وطبيعتها.
كم يوماً يحتاج الشاطئ ليتّسخ مجدّداً بكمية نفايات مضاعفة؟
أسئلة كثيرة بحاجة إلى أجوبة، ما هي كمية النفايات التي بقيت على الشاطئ بعد انتهاء الحملة؟ كم يوماً يحتاج الشاطئ لكي يمتلئ مجدداً بكمية مضاعفة لتلك التي جُمعت؟ وما مدى تزايد المساحات الملوّثة أصلاً بمجارير الصرف الصحي، ولا سيّما للمدن الساحلية التي لا تزال تصبّ في البحر كما هي ومن دون معالجة؟ من يخبرنا أيّ الشواطئ اللبنانية صالح فعلياً للسباحة، أقلّه وفق معايير التلوّث البكتريولوجية؟ إذا افترضنا أن هذه الحملة شارك فيها 10000 متطوع، علماً أن غالبية هؤلاء الساحقة هي من القوات المسلحة، فإن احتساب كمية النفايات التي نتجت من مشاركتهم من قفّازات وأكياس نايلون وبقايا أطعمة وغيرها، يدفعنا إلى الاستنتاج بأنّ كمية هذه النفايات تعادل، وقد تتجاوز في بعض المواقع، كمية النفايات المرفوعة التي كانت موجودة أصلاً.
تقول حملة «الأزرق الكبير، التي تشرف عليها وزارة الشباب والرياضة، وتنظّمها جمعية سيدرز واتحاد كشّاف لبنان، إنها قسمت الساحل اللبناني إلى 62 شاطئاً، 20 منطقة غوص، 10 موانئ، منطقة تسلّق واحدة، و5 جزر جرى فيها التجمّع والانطلاق من كل منها بالتزامن مع انطلاق الحملة، لكن هذا لا يعني أن أولوية اختيار هذ المواقع جاء بالاستناد إلى كمية النفايات فيها، بل إلى قدرة الجمهور على النفاذ إليها، وخصوصاً أنّ مساحات شاسعة من الشاطئ اللبناني يحتلّها المستثمرون الذين يعتدون على الأملاك البحرية العمومية.
واحد من هذه الأماكن المقفلة، فتح أمس، ليس أمام حملة الأزرق الكبير، بل أمام الدراجات الهوائية التي استأجرها روّاد «سوق بيروت» في الوسط التجاري.
داخل السوق الذي يشهد أنشطة ترفيهية للأولاد، وضعت شركة سوليدير، أدلّاء يُرشدون الناس إلى المسار الذي سُمح لهم بعبوره عبر الدراجات الهوائية للمرة الأولى منذ إنشاء الشركة عام 1992. يمتد هذا المسار على مسافة 5 كيلومترات، حيث ينطلق من أسواق بيروت في شارع طرابلس مقابل ساحة العجمي عبر شارع البطريرك حويك باتجاه واجهة بيروت البحرية.
هناك، في المنطقة التي كانت جبل نفايات، ووصلت كلفة إزالته إلى ما يزيد على 150 مليون دولار، افتتحت شركة سوليدير المستوى الثاني من متنزّه الواجهة البحرية، الذي يمتد على مسافة حوالى كيلومتر ونصف كيلومتر، وينتهي عند تخوم منتجع السان جورج.
للمكان سحر تصعب مقاومته. الباطون الذي وضع بالأطنان على طول الواجهة كُسرت حدّته من خلال نقوش راوحت بين أشكال دلافين في الأعلى، وزخرفات فنية في الأسفل. عند أسفل الواجهة، التي تطلق عليها سوليدير تسمية المستوى الأول، مقاعد باطون تتسع لضعف الذين يضيق بهم يومياً شاطئ عين المريسة. «لا يمكن أن نخاطر بفتح المستوى الأول، فالبحر عميق جداً هنا، ومن يُردْ أن يقفز في الماء، فلن نستطيع سحبه»، يقول أحد الحراس المنتشرين في المكان، إضافةً إلى عناصر من الدفاع المدني والصليب الأحمر. واجهة بيروت البحرية مفتوحة للجمهور كل يوم أحد. من لم يعرف قيمة نعمة سوليدير عليه، فليقف في النورماندي ويغمض عينيه.