السرطان في لبنان إلى تزايد، لا يحتاج المواطن إلى النظر في الأرقام التي يتضمّنها السجل الوطني الرسمي الذي تصدره وزارة الصحة سنوياً للتأكد من هذه المعلومة. في كل بيت وحي ومنطقة أحاديث لا تنتهي عن «هيداك المرض». لكن من ينفث سيجارته أثناء الحديث، عليه أن يشير إليها ويقول «هيدا المرض»
بسام القنطار
منذ عام ٢٠٠٦، توقفت وزارة الصحة عن إقامة احتفال رسمي لإطلاق التقرير السنوي للسجل الوطني للسرطان، لكن هذا لا يعني أن طاقم الوزارة توقف عن تسجيل الحالات الجديدة للمرض الذي يفتك باللبنانيين بصمت. آخر التقارير الرسمية الصادرة كان في عام ٢٠٠٤، فيما نشرت الوزارة أخيراً على موقعها على الإنترنت إحصاءات الأعوام ٢٠٠٥ــ٢٠٠٧، وهي تعمل حالياً على إدخال بيانات عامي ٢٠٠٨ــ٢٠٠٩. وفق ما أكدت لـ«الأخبار» رئيسة وحدة الترصد الوبائي في وزارة الصحة العامة الدكتورة ندة غصن. غصن عزت التأخر في صدور التقرير الرسمي كاملاً إلى انشغال الوزارة في أواخر العام الماضي بمكافحة أنفلونزا «أي أتش١إن١»، علماً بأن التقرير سيطلق في أواخر العام الجاري.
مؤشرات عديدة يمكن رصدها من خلال مقارنة الأرقام الجديدة التي يتم إدخالها وفق معايير منظمة الصحة العالمية. المؤشر الأول الثابت هو تسجيل ارتفاع كبير في نسب حدوث السرطان في لبنان بين عامي ٢٠٠٢ و٢٠٠٧، إذ سجّلت ٨٨٦٨ إصابة جديدة في عام ٢٠٠٧ في زيادة بلغت ٤٨٤ إصابة جديدة عن عام ٢٠٠٦ الذي بلغ فيه إجمالي عدد الإصابات ٨٣٨٤ إصابة، الذي بدوره يزيد بـ٣٥٠ إصابة على عام ٢٠٠٥ حيث بلغ فيه إجمالي الإصابات ٨٠٣٤ إصابة. وهذا يعني أن المعدل الوسطي للزيادة في الإصابات يبلغ نحو ٥٪ سنوياً.
ترى غصن أن مردّ هذه الزيادة لا يمكن نسبها حصراً إلى الارتفاع في عدد المصابين، بل إلى تحسن أداء الرصد والتسجيل للحالات، بالمقارنة مع الأعوام الماضية، كما أن الوزارة أضافت إلى الحالات المسجلة إصابة السرطانات الجلدية غير الميلانومية التي لا تسجّل في بعض البلدان على أنها من أنواع السرطان لكون غالبيتها تستجيب للعلاج.
تعرف غصن السجل الذي بدأ العمل به عام ٢٠٠٢، أنه وصف لواقع حدوث السرطان في لبنان سنوياً، حيث تجمع المعطيات الإحصائية من مراكز توزيع دواء السرطان التابعة لوزارة الصحة ومختبرات الأنسجة في سائر المناطق، ولقد لقيت هذه العملية تشجيعاً ومساندة من الأطباء وأصحاب المختبرات، إضافة الى أطباء الضمان الاجتماعي، ما سهّل عمل لجنة السجل. وبرأي غصن، فإن أهمية عمل اللجنة أنها باتت تعتمد بالكامل على قدرات الوزارة ولا ترتبط بدعم خارجي، ما يجعل عملها مستداماً.
تتوزع الحالات المسجلة للمرة الأولى في عام ٢٠٠٧ بين ٥١% على النساء و٤٩% على الرجال. أما حالات السرطان الحاصلة لدى الأطفال ما دون 15 سنة فقد بلغت نسبة ٢,١٣% من إجمالي الحالات، أي ما يقارب ١٨٧ حالة جديدة من السرطان، وهي في غالبيتها حالات سرطان الدم (لوكيميا).
وكما بات معلوماً، يحتل سرطان الثدي عند النساء المرتبة الأولى في لبنان، حيث يتبين أن عام ٢٠٠٧ سجل ١٧٢٩ إصابة جديدة، أي ما نسبته ٣٩٪ من إجمالي عدد الإناث المصابات والبالغ عددهن ٤٤٤٥ إصابة. أما عند الرجال، فيحتل سرطان البروستات (٧٦١ حالة) والمثانة (٦٠٣ حالات) والرئة (٥٧١ حالة)، المكانة الأولية من إجمالي عد المصابين البالغ عددهم ٤٤٠١ إصابة.
أما أنواع السرطان الأخرى الشائعة لدى الذكور المرتفعة بحسب سجل عام ٢٠٠٧ فهي: سرطان المعدة (١٢٦ حالة)، والأمعاء الغليظة (٢٩٢ حالة). أما السرطانات الأخرى الشائعة لدى النساء فهي: الأمعاء الغليظة (٢٠٥ حالات)، والمبيض (١٧١ حالة).
رئيس الاتحاد اللبناني ضد السرطان، الطبيب الجراح ميشال ضاهر، يؤكد «أن هذه النسبة المرتفعة عند الرجل عائدة إلى التدخين كمسبب رئيسي للسرطان. فهذه الأنواع ثبت علمياً أن لها علاقة سببية معروفة بتدخين السجائر والنرجيلة. ويلفت ضاهر الى أن أهداف السجل الوطني للسرطان لا تنحصر بتقديم نسب حدوث السرطان في لبنان كل عام، ولكن المهم أخذ العبر مما يحدث ورسم سياسة تنظيم حملات لمنع حدوث السرطان، مثل حملات لمنع التدخين في المؤسسات العامة، وتوعية النشء في المدارس والجامعات عن مضار التدخين والنتائج المدمرة التي تحدث للشخص المدخن، والتشجيع على الكشف المبكر ليس فقط على سرطان الثدي، بل على العديد من الأنواع، وخصوصاً تلك التي ثبت أن للعامل الوراثي دوراً بالغاً بحدوثها». لكن ضاهر يلفت أيضاً الى أن نسبة سرطان الرئة عند النساء ليست قليلة، ما يعني أن الفتيات يقبلن على التدخين في سنّ مبكرة بسبب الإعلان المنفلت من أي ضوابط، وغياب قانون يحدّ من التدخين. ويشدد ضاهر على أن استمرار ارتفاع حالات سرطان الثدي تدفع الى التشديد أكثر من أي وقت مضى على أهمية إجراء فحص الثدي الشعاعي كل عام، وذلك للكشف المبكر الذي يسمح بالتدخل الذي يمكن من الشفاء بأسرع وقت ممكن، وبأقل ضرر ممكن على المصابة. لكن ضاهر يشدد أيضاً على ضرورة الانتباه الى خطورة عدم قيام بعض النساء اللواتي يشتبهن بإصابتهن من خلال الفحص الشعاعي بفحوص إضافية تؤكد أو تنفي وجود أورام خبيثة، وذلك بسبب كلفتها المرتفعة. ويلفت ضاهر الى ضرورة أن تعيد وزارة الصحة النظر في عملية دعم هذا النوع من الفحوص المتقدمة، لأن المهم هو متابعة المريض حتى النهاية، وأن لا نكتفي بدعم الفحص الشعاعي الذي يعدّ خطوة أولى يجب استكمالها في حالة الاشتباه بسرطان الثدي.

سرطان الرئة عند اللبنانيات ليست قليلة، ما يعني أن الفتيات يقبلن على التدخين في سنّ مبكرة
ويعترف ضاهر بأن الاتحاد الوطني للسرطان لم ينجح خلال السنوات الماضية في الحصول على دعم يمكّنه من القيام بحملات توعية واسعة النطاق. ويشدد ضاهر على ضرورة أن تشمل هذه الحملات رسائل تتعلق بتغير أنماط الحياة، وخاصة في ما يتعلق بالعادات الغذائية عند اللبنانيين، مثل تجنب البدانة وتناول المعلبات والأطعمة الملونة واللحوم المدخنة والحذر من الأمراض المتنقلة جنسياً واستعمال اللقاحات المضادة للفيروسات التي قد تسبب السرطان، مثل البلهارسيا وغيرها. ويلفت ضاهر الى تزايد ارتفاع حالات سرطان الجلد، وهذا يحتّم على المعنيين كافة القيام بحملات تتعلق بتجنب أشعة الشمس خلال فصل الصيف وتقديم بيانات للجمهور بشأن مستوى الأشعة ما فوق البنفسجية في مختلف الشواطئ، وخصوصاً بين الساعة ١١ والساعة ٤ مساءً.
ويلفت ضاهر الى أن وجود غالبية سكان لبنان في بيروت والضواحي والأقضية المتاخمة، يحتم وجود أكبر نسبة للإصابات فيها. لكنه يؤكد أن المعطيات الديموغرافية في لبنان ليست دقيقة. ويضيف: يحكى كثيراً في لبنان أن نسبة السرطان تزيد باستمرار، لكن لبنان لا يختلف كثيراً عن البلاد العربية المحيطة به. بالطبع، السرطانات الموجودة في أوروبا تختلف لأن النظام الغذائي مختلف. أما إذا أجرينا مقارنة بين لبنان والأردن مثلاً، فنجد أن أنواع السرطانات الأكثر انتشاراً متشابهة.


خرائط مناطقية

من سلبيات السجل الوطني للسرطان، أنه لا يوفر معلومات دقيقة يمكن أن تساعد في تحديد أماكن جغرافية أكثر خطورة من غيرها على امتداد الأراضي اللبنانية. لكن رئيسة وحدة الترصد الوبائي في وزارة الصحة العامة الدكتورة ندة غصن، تؤكد أن هذه العقبة سيجري تجاوزها في السنوات المقبلة لأن الاستمارة التي يعبّئها العاملون على السجل تشدد على تحديد مكان الإقامة، الأمر الذي يمكّن من تحديد خرائط على امتداد لبنان تبيّن المناطق التي يوجد فيها إصابات أكثر. أما لماذا لم يحصل هذا الأمر خلال السنوات الماضية؟ فإجابة غصن تنحصر في الجانب التقني المتعلق بالخانة التي تشير الى مكان إقامة المريض، التي لم تملأ إلا بنسبة ٣٠٪، وتنفي أن يكون لهذا الأمر أي خلفية مناطقية أو طائفية، معلنة أن الوزارة ستشدد على تسجيل المعطيات المتعلقة بالإقامة، ما يسمح برسم خرائط وسوف تنشر على موقع الوزارة حالما تصبح جاهزة على غرار ما تقوم به غالبية الدول التي تصدر سجلاتها الوطنية عن
السرطان.