هي المرة الأولى التي تجري فيها انتخابات بهذا الحجم في مخيم برج البراجنة. انتخابات أخذت بعين الاعتبار سن الاقتراع، ومشاركة النساء في التصويت. حتى الدنماركيون أتوا لنقل التجربة الأوروبية إلى جورة التراشحة. هكذا، انتخبت أكبر جالية في مخيم البرج ممثليها
قاسم س. قاسم
«احنا عملنا أحسن من الدولة اللبنانية، احنا خلينا المرا اللبنانية المتزوجة فلسطيني تنتخب، كمان خفّضنا سن الاقتراع وخلينا شبابنا يلي عمرهم 18 سنة ينتخبوا، قدرنا نعمل يلي ما عملتو الدولة»، يقول حسام روبين ضاحكاً. عمد روبين الواقف على باب رابطة أبناء ترشيحا التي جرى فيها انتخاب أعضاء هيئتها في مخيم برج البراجنة، إلى توزيع لائحة أسماء مرشحي حركة شباب ترشيحا التي يدعمها، طالباً من أحد الوافدين «نزّلها زيّ ما هيّ»، كما قال. الأجواء الانتخابية في المخيم، لا تختلف كثيراً عن الانتخابات البلدية أو النيابية اللبنانية، فمندوبو المرشحين موجودون داخل قلم الاقتراع يراقبون سير العملية الانتخابية، ومرشحو اللوائح المتنافسة كانوا حاضرين أيضاً. كما كان المرشحون حاضرين للإجابة عن خطط عملهم إذا نجحوا وانتُخبوا. برامج عمل سعت الماكينات الانتخابية التي كانت في أحسن أحوالها عبارة عن «3 موتسيكلات وكام تلفون»، على ترويجها على مدى أسبوعين. وبما أن الانتخابات لا يمكن أن تكون نزيهة وشفافة بدون مراقبين دوليين أو محليين، حضر مختار منطقة المنشية السابق نبيل الحركة ليعمل على فرز الأصوات ومراقبة سير العملية الانتخابية. العملية الانتخابية بدأت الساعة التاسعة صباحاً، مع توزيع اللوائح التي ضمت 23 مرشحاً، على أن يُختار 13 منهم. يسجل شيخ المخيم صلاح اسم كل فرد يأخذ لائحة يعاونه بذلك «مختار الحركة»، على أن يشطب الاسم عند وضع الورقة في صندوق الاقتراع لضمان عدم التصويت أكثر من مرة. سارت العملية الانتخابية بهدوء ولم يحصل فيها «ضربة كفّ». اتّبع الترشحاويون القواعد الانتخابية، توجهوا خلف الستار، الذي كان عبارة عن العلم الفلسطيني، حتى أن قلم الاقتراع كان ملائماً لأصحاب الحاجات الخاصة، إذ إن المركز يقع في طابق أرضي، حيث لم يجد أصحاب الحاجات الخاصة أي مشكلة في المرور. هنا لا يحتاج المرء ليغمّس إبهامه في الحبر الانتخابي لأنه لن يستطيع التصويت أكثر من مرة حتى لو حاول ذلك. ببساطة، الجميع هنا يعرف بعضهم بعضاً والوجوه محفوظة. أما بالنسبة إلى منظمي الانتخابات فهم غير معنيين بها، كما أنهم ليسوا أعضاء بالرابطة لكي يخاف من تلاعبهم بالنتيجة أو استغلال السلطة من أجل مصلحة أحد الأطراف، وذلك ببساطة لأنهم ليسوا تراشحة، فقط من القرى المجاورة لترشيحا، الكابري مثلاً. خارج قلم الاقتراع جلس أبناء ترشيحا، صرخوا لمن لم يصوّت بعد، طالبين منهم التوجه إلى قلم الاقتراع للتصويت. «قرّب، تعال شوف عم يدفعوا عشرين ألف على الصوت»، يصرخ محمد حيدر لصديقه ضاحكاً. يسحب الشاب من جيبه 20 ألف ليرة، لتكون دليلاً لما يقوله ووسيلة إغراء لصديقه. بالطبع الأمر مزحة فلا وجود للمال الانتخابي لكن قد تتأمّن النقليات من قلم الاقتراع وإليه على متن دراجة نارية. هكذا، شارك جميع التراشحة في الانتخابات حتى أن بعضهم أتى من مخيمات أخرى للتصويت، بل أكثر من ذلك، بعضهم أتى من الدنمارك، فقط ليشارك في عملية التصويت مثل عبد العزيز أبو غريبة. ترك أبو غريبة الدنمارك وجاء إلى جورة التراشحة للمشاركة في إعداد انتخابات الرابطة، يقول الرجل: «وضعنا خطة انتخابات للرابطة على نسق الانتخابات الأوروبية، لنحافظ على الشفافية والأمانة ولنراعي حق الناخب والمرشح». أبو غريبة سيعود إلى الدنمارك ليتواصل مع التراشحة هناك عن النتيجة التي آلت إليها عملية التصويت، ولينقل لهم حيثيات هذا اليوم الانتخابي. هكذا، شارك الكل بطريقته، المسنون من أبناء ترشيحا، صوّتوا لأسماء مرشحين ليست غريبة عنهم. «هادا ابن زهير»، و«هداك ابن قدورة أوادم اهلوا». أما من خانه نظره منهم فاستعان بأحد أحفاده لإيصاله إلى خلف الستار، ليتلو الأسماء على مسامعه لاختيار المرشح المناسب. خارج القلم الانتخابي وقفت مجموعة من المسنين أمام صورة لترشيحا. منظرهم دفع البعض إلى الاقتراب منهم فضولاً. الرجال معروفون من أيام النكبة، أي بمعنى آخر هم ذاكرة فلسطين. «هادا دار محمد مصري، شفت الجامع؟ هناك بيت جدك، حد دار الاغوات»، يقول محمود آغا للرجل الواقف بقربه. يضع آغا نظارتيه، يشير بقلمه إلى المنازل التي يعرفها ويروي قصصه فيها.
العملية الانتخابية التي تجري لأول مرة في المخيم لن تكون الأخيرة بل هي الخطوة الأولى نحو «تشكيل برلمان للمخيم، على أن تكون اللجان الشعبية هي الحكومة» كما وصفها الآغا. ففي المستقبل القريب ستعمل روابط القرى في المخيم على انتخاب ممثليها على أن يجري ترفيع 3 أفراد من كل رابطة ليؤلّفوا لجنة أهلية تعمل على محاسبة اللجان الشعبية إذا أخطأت، وإذا وُجد هدر مالي في ميزانيتها. لكن هل سيستطيعون مواجهة اللجان الشعبية والفصائل؟ يجيب آغا: «ما دامت شرعيتنا مباشرة من الشعب ولم ندخل في صراع الفصائل الفلسطينية فأعتقد أن ذلك ممكن». ينتهي اليوم الانتخابي الطويل، ينتظر الجميع عملية فزر الأصوات، ينجح ثلاثة عشر فرداً من اللائحتين. هنا ليس من أكثرية أو أقلية، فمرشحو اللائحتين سيعملون على تأمين الخدمات الاجتماعية، و«تعميق الجذور بين الترشحانيين أينما وجدوا»، كما يقول روبين. هكذا، انتهت انتخابات رابطة أبناء ترشيحا وأعلنت نتائجها في مخيم برج البراجنة. بينما ينتظرها أبناء ترشيحا، ليقدّم التبريك للفائزين عبر الإنترنت.


«اللجان الأهلية»

بعد اتفاقية القاهرة التي عقدت بين منظمة التحرير والدولة اللبنانية عام 1969، استلمت اللجان الشعبية في المخيمات الفلسطينية إدارة شؤون هذه المخيمات. وبعد إسقاط الاتفاقية من جانب الدولة اللبنانية، لا تزال اللجان الشعبية المكوّنة من الفصائل الفلسطينية تمارس مهماتها كاملة. لكن بسبب الخلافات الداخلية بين الفصائل، بات أهالي المخيمات يعتمدون على لجان جديدة ألّفوها من وجهاء المخيمات وأطلقوا عليها تسمية «اللجان الأهلية»، فكانت أولى تلك اللجان لجنة أهالي مخيم شاتيلا، وكان عمل هذه اللجنة وسواها يقضي بمراقبة اللجان الشعبية بعيداً عن سلطة الفصائل.